للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} (١).

فلا يجوز أن يحمل الإضلال هاهنا على الإهلاك والعقوبة في الآخرة، بل قد أخبر أنه أراد به الإضلال في الدنيا بالمثل لكثير من اليهود (٢)؛ لأن الله ضرب الأمثال (٣) والأشباه للخلق وجعلها للقلوب كالمرايا للوجوه، وأمرهم أن يستدلوا بها على ما غاب من أبصارهم، وذلك عام لجميعهم لتثبت الحجة له عليهم وجعل الهداية منه بها خاصة (٤) للمؤمنين فقال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} فنسب الإضلال والهداية إليه، وقال في آية أخرى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} (٥) فنسب في هذه الآية عقل الأمثال إليهم لكونهم مكتسبين عقلها، ولما حرم الكفار الاهتداء والعقل في الأمثال المضروبة وخلق فيهم ضده سماه (٦) إضلالاً، ولا يجوز حمل الإضلال هاهنا على إبطاله لأعمالهم لأنه يحتاج إلى إضمار الأعمال، ولا يجوز صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل ولا ضرورة، وكذلك الإضلال المذكور في الأعراف بقوله تعالى (٧): {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (٨)، فلا يجوز حمل الإضلال هاهنا على إبطال العمل ولا على العقوبة في الآخرة لأنه قال في آخر الآية:


(١) البقرة آية (٢٦).
(٢) يعني بذلك قوله عزوجل: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} وذكر القرطبي في المراد بهذه الآية خمسة أقوال منها أن المقصودين بها هم أهل الكتاب. تفسير القرطبي ١/ ٢٤٦.
(٣) في - ح - في الأشياء.
(٤) في - ح - خاصاً.
(٥) العنكبوت آية (٤٣).
(٦) في - ح- (وسماه).
(٧) (بقوله تعالى) ليست في - ح-.
(٨) الأعراف آية (١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>