للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} لهم الإيمان فدل على أن الله لم يشأ لهم الإيمان.

فأجاب هذا القدري المخالف وقال: المراد بالمشيئة هاهنا مشيئة الإجبار والقهر ولم يرد مشيئة الاختيار (١)؛ لأنه لو أراد ذلك لما كان عليهم لوم ولا توبيخ.

والجواب: ما قدمناه أن لله تعالى مشيئة (٢)، والاختيار والإجبار يرجعان إلى صفة العبد لا إلى مشيئة الله، وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره، وإذا ثبت أنه أراد من الكافر الذي لم يؤمن الإيمان ومن العاصي الطاعة مشيئة الاختيار وقع خبر الله بخلاف مخبره؛ لأنه يقع عليها اسم المشيئة (٣) وكان ذلك مخالفا لقول جميع أهل التوحيد (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) وأيضاً فلو كان عند رجل لآخر (٤) دين حال وهو موسر به فطالب من له الدين بدينه اليوم فقال من عليه الدين: امرأته طالق ثلاثا أو حلف بالله ليقضيه حقه هذا اليوم إن شاء الله، فمضى اليوم ولم يقضه، فإن جميع الفقهاء قالوا: لا يحنث بيمينه في الطلاق ولا بالله تعالى، وقضاء الدين الحال واجب، وعلى مذهب القدرية أن الله تعالى لا يوصف بأنه لا يشاء قضاءه لأن تأخير القضاء (٥) معصية (٦)، ولو كان الأمر كما ذكروه لحكم عليه


(١) تقدم قول المخالف هذا والتعليق عليه. انظر: ص ٣٨١ - ٣٨٢.
(٢) أي مشيئة مطلقة في كل ما يشاء، ولا دليل على تقييدها بالمعنيين المذكورين.
(٣) المراد هنا أن القول بأن الله شاء من عباده أن يؤمنوا وشاء من عباده أن يكفروا بمشيئة الاختيار أي باختيارهم هم الذي لا مشيئة لله فيه ولا نفوذ له عليهم فيه على حسب قوله. انظر القدرية يكون هذا بخلاف ما أخبر الله به من عموم مشيئته التي لا تخرج عنها شيء في الوجود، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقد مر جملة من الآيات في هذا ص ٣٨١.
(٤) في - ح- (لرجل آخر).
(٥) في - ح - (عن ذلك اليوم) وليست في الأصل.
(٦) انظر: ما تقدم من قول المعتزلة في أن الله أراد من العباد الطاعات ولم يرد المعاصي والمشيئة والطاعة عندهم بمعنى واحد. انظر: ص ٣٨١ - ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>