للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن يقال لهذا المخالف: أما ورود القدر على معنى الخلق فلا ننكره، وأما على معنى الإخبار واحتجاجك بقوله تعالى: {إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} فغير صحيح في المعنى ولا مسلم، واحتجاجه بهذا يدل على جهله بالنحو وإفلاسه منه، لأن ضمير المرأة ههنا في موضع النصب، وإذا كانت مخبراً عنها في موضع جر، ولو أراد ذلك لقال: قدرنا عنها أو بها، ولم يقل أحد من أهل التفسير هذا الذي ذكر المخالف، وإنما قال ذلك برأيه على ما يوافق مذهبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" (١). والذي قال أهل التفسير في هذا: قدرناها أي قدرنا هلاكها مع الغابرين (٢).

وأما احتجاجه ببيت العجاج فهو حجة عليه لا له، لأنه إذا كتب في الصحف شيئاً وقدره فهل يتوهم عاقل أن الله أراد وقوع شيء قد كتب وقوع ضده، وإنما يحسن هذا على قول من قال من القدرية إن الله لا يعلم الغيب ولا يعلم إلا ما كان (٣) ولكن لم يصرح هذا المخالف بهذا في دامغه بل (عن صَبُوح تُرَقِّق) (٤) ولو صرح به كما صرح به أسلافه لاختطفته


(١) أخرجه حم ١٠/ ٢٣٣ - ٢٦٩ عن وكريع عن سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن بغير علم .. " الحديث.
وأخرجه ت. كتاب التفسير (ب. ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه) عن ابن عباس مثل رواية الإمام أحمد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه من طريق أبي عوانة عن عبد الأعلى به ولفظه: "من قال في القرآن برأيه … " قال الترمذي: هذا حديث حسن (٥/ ١٩٩).
(٢) انظر: فتح القدير للشوكاني ٤/ ١٤٥.
(٣) تقدم ذكر هذا القول. انظر: ص ٣٤٠.
(٤) في النسختين (عن صبوح ترقق عنه) ولا معنى لإيراد (عنه) في المثل، ولم تذكر في كتب الأمثال، والصبوح ما يشرب صباحاً والغبوق ضده، وترقيق الكلام تحسينه وترتيبه وهذا مثل يضرب لمن كنى عن شيء وهو يريد غيره وأصل هذا المثل أن رجلا اسمه جابان نزل بقوم ليلا فأضافوه وغبقوه فلما فرغ قال: إذا صبحتموني كيف آخذ في طريقي وحاجتي؟ فقيل له: عن صبوح ترقق فكأنه قيل له (صبوح تكنى) انظر: مجمع الأمثال للميدان ٢/ ٣٤٨، وفي هامش - ح- تعليق على ذلك قال: "يقال رققه فرق ورقق الكلام أي حسنه وفي المثل (أعن صبوح ترقق؟).

<<  <  ج: ص:  >  >>