للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى كقوله تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} (١) فهو يدعو عباده إلى داره وهي الجنة، ويجوز أن يكون سماها دار السلام لأن من صار إليها سلم من الآفات والعذاب (٢)، والدليل على صحة ما ذكرنا أن قولك: دعا يدعو من أفعال التي تتعدى إلى مفعول، فيفهم ذلك بالإطلاق كقولك ضرب وقتل، فلما حذف المفعول دل على أنه أراد دعاء جميع المكلفين (٣)، فلما قال بعده: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} كان الظاهر أن الهداية منه إلى بعض من تقدم ذكره في الدعاء.

وأما قول المخالف: إنه أراد بالهداية هاهنا الهداية العامة فتكون لبعض المكلفين وهم العقلاء والبالغون.

فالجواب أنه لا يصح حمل الآية على هذا لأن المجانين والصغار غير داخلين في التكليف، فهم غير داخلين في عموم المدعين، لأنه لم يدع الخلق إلى دار السلام إلا بالتكليف، وهو: الإيمان به والشرائع، وهؤلاء غير داخلين في الخطاب العام، فيكون المكلفون مخصوصين بالهداية، وأيضاً فإن الهدى العام هو: البيان والدلالة، ولا يجوز أن يخص بالبيان والدلالة بعض الخلق دون بعض (٤)، وإذا بطل هذا ثبت أن المدعيين إلى دار السلام هم جميع المكلفين الداخلين في واجبات التكليف، وأن الهداية إلى الإجابة خاصة منه لبعضهم.


(١) سورة الحشر آية (٢٣).
(٢) انظر: تفسير ابن جير ١١/ ١٠٣، تفسير القرطبي ٨/ ٣٢٨، وذكر القرطبي قولا ثالثا وهو أن الله يدعو إلى دار التحية لأن أهلها ينالون من الله التحية والسلام وكذلك من الملائكة.
(٣) فالعموم هنا تعلق بالمدعويين وهم الخلق المكلف فالدعوة من الله جل وعلا إلى جنته عامة لجميع خلقه المكلفين، وهذه الدعوة مستمرة من الله جل وعلا إلى يوم القيامة، وكان الأنبياء قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبلغونها إلى الناس ثم بلغها محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الدعوة لا زالت مستمرة في الناس يدعو إليها كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والآية بشارة بأن كتاب الله وهذا الدين باق إلى آخر الزمان لأن الله وصف نفسه بأنه يدعو إلى (دار السلام) ويدعو فعل مضارع يدل على الحال والاستمرار، فلا داع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
(٤) وذلك لأن البيان والدلالة جاءت على لسان الرسل عليهم السلام وفي كتاب الله المنزلة وهذه ميسرة لكل من عقل وأدرك أن يطلع عليها فلا يجوز أن توصف بأنها خاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>