للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي - صلى الله عليه وسلم- بقوله تحذيراً وتنبيها: "ما ضل قوم بعدي هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" ثم قرأ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون} (١).

وقوله عليه الصلاة والسلام: "ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" (٢).

فألقى هؤلاء الأعداء هذا الداء بين المسلمين، فتلقفه من لم يكن له في الإسلام سابقة ولا قدم في العلم راسخة، ونشره بين المسلمين فعُطِل به كتاب الله عزوجل وردت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وظهر بسببه القيل والقال، وكثر التنقيب والتدقيق والسؤال، وقفا الناس به ما لا علم لهم به ولا سبيل لهم إليه إلا بالوحي الإلهي والنور الرباني، فجادلوا في الحق وتخرصوا بالباطل وجعلوا كتاب الله وراءهم ظهريا، وهم في ذلك كله يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وأنهم لدين الله نصروا، ولعدوه كسروا، وهم في الحقيقة لم يكسروا إلا دينهم ولم يغلوا إلا قناة جماعتهم، ففاء المسلمون من هذا البلاء بالتحزب والتشيع والفرقة التي أوصلتهم إلى التباغض والتكفير والتلاعن كما فعل الذين من قبلهم.

هذا كله حدث وكتاب الله يتلى بين ظهرانيهم، وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- بأيديهم إلا أنهما معطلان عن أن يحكما في عقيدة أو شريعة، وقد أصاب الأعداء بذلك من المسلمين مقتلا أفرز ما هو ظاهر من حال المسلمين لا يخفى على ذي عينين، ولولا أن الله قد تكفل من رحمته ولطفه وكرمه أن لا تستباح بيضة المسلمين وأن لا يطمس الحق والنور فيهم ببقاء طائفة على الحق ظاهرة وله محكمة لحاق بالأمة الإسلامية ما حاق بالأمم قبلها من اندثار الحق واندراس آثاره، وعموم الضلالة


(١) أخرجه ت. كتاب التفسير ب، تفسير سورة الزخرف ٥/ ٣٧٨، جه. في المقدمة ١/ ١٩، حم ٥/ ٢٥٢ - ٢٥٦، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - وقال الترمذي حديث صحيح.
(٢) أخرجه خ. كتاب الاعتصام ب. الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ٩/ ٧٧، م. كتاب الحج ب فرض الحج مرة في العمر ٢/ ٩٧٥ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>