للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه اللام لام العقبة، لأنه علم أن كثيراً منهم يصير إلى جهنم فصار كأنه ما خلقهم إلا لها.

والجواب: أن هذا تناقض لا يخفى على عاقل فساده، وذلك أن العبادة ثوابها، كما أن الكفر جزاؤه جهنم لو قلنا إنه خلقهم للعبادة لكان تقدير الكلام (ولقد ذرأنا للعبادة والجنة كثيراً منهم، فصار عاقبتهم إلى جهنم) وهذا يخرج من التأويل إلى التبديل الذي قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} (١) ويدل على فساد هذا أنه قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ}، ليدل أنه لم يذرأ لذلك جميع المكلفين بل هو كقوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً}.

وعند القدرية: أن الله خلق جميع المكلفين للعبادة، وكان ينبغي على هذا أن يقال (ولقد ذرأناهم) فصار (٢) لجهنم كثيراً من الجن والإنس وهذه اللام تسمى لام الاختصاص، كقولهم الباب للدار (٣)، وكقول الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ (٤) أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} (٥). وإن وافقنا أنها لام العاقبة فالمراد أن الله خلقهم للدنيا وليأمرهم بعبادته وقضى وعلم أن عاقبتهم ومآلهم إلى جهنم، كما قال: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} (٦) أي أعصر ما يؤول خمراً لا في حال عصره، كذلك هذا، فصار كقوله تعالى: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ} (٧).

وأما استدلاله بقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (٨)


(١) الفتح آية (١٥).
(٢) هكذا في - ح- وفي الأصل بعد قوله: (فصار) كلمة غير واضحة.
(٣) في الأصل (النار والدار) وفي - ح- كما أثبت وهو الصواب.
(٤) في الأصل (سبع) وهو خطأ وهي في - ح- كما أثبت.
(٥) الحجر آية (٤٤).
(٦) يوسف آية (٣٦).
(٧) الحشر آية (١٧).
(٨) القصص آية (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>