للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً} (١) ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (٢)، وهذا كقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (٣).

والوجه الثاني: أن المراد بقوله تعالى: {إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا لآمرهم بالطاعة والعبادة وأنهاهم عن الكفر والمعاصي (٤).

والثالث: أن لفظه لفظ العموم والمراد به الخصوص وأراد بذلك الذين هداهم ووفقهم لطاعته وعبادته، يدل على هذا شيئان:

أحدهما: أن فيهم الأطفال والمجانين ومن خرج من عموم الآية.

والثاني: أنه قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ} فأخبر بهذه الآية أنه خلق كثيراً منهم لجهنم، ومن خلقه الله لجهنم لم يخلقه للعبادة (٥)، والقرآن لا يتناقض بل يؤيد بعضه بعضاً قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (٦)، ولا ينتفي عنه الاختلاف إلا إذا حملت الآيتان على ما ذكرنا.


(١) آل عمران آية (٨٣).
(٢) الرعد آية (١٥).
(٣) لقمان آية (٢٥).
(٤) هذا القول ذكره شيخ الإسلام عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومجاهد والربيع بن أنس وقال: "هو اختيار الزجاج"، وهو الذي اختاره ورجحه شيخ الإسلام وأبان أنه لا يصح حمل الآية على غير هذا المعنى، لأن العبادة هي الخضوع للأمر والنهي، وهي في هذا مثل قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، فهو لم يرسله إلا ليطاع، ثم قد يطاع وقد يعصى، وتشبه قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}. والذي ذكره شيخ الإسلام هنا هو الذي ذكره ابن كثير ورجحه أيضا. انظر: الفتاوى ٨/ ٣٩ - ٥٧ وقد أطال في بيان هذه الآية شيخ الإسلام. وانظر: تفسير ابن كثير ٤/ ٢٣٨، وانظر: فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ص ١٧.
(٥) ذكر هذا القول مع تعليله القرطبي ونسبه إلى الضحاك والكلبي وابن قتيبة والفراء والقشيري. انظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٥٥، معاني القرآن ٣/ ٨٩.
(٦) النساء آية (٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>