للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلم أن هذه الأسامي (١) إنما تنصرف إليها بحق العباد لا في حق الله، وقد أخبر الله عن يوسف عليه السلام أنه قال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه} (٢)، وسجن يوسف عليه السلام سفه منهم وليس بسفه منه، وإن أحبه وأراد، وأخبر الله عن ابني (٣) آدم أنه قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (٤)، فأراد من أخيه قتله ليكون القاتل له من أصحاب النار، ومعلوم أن قتله سفاهة من القاتل. ولا يقال إن المقتول سفيه لكونه مريداً لقتل نفسه، فثبت بذلك كله أنه ليس كل من أراد الظلم والسفه من غيره يسمى ظالماً وسفيهاً، يؤيد ذلك أن الله يوصف بأنه يريد الطاعة من العباد، ولا يوصف لذلك بأنه مطيع، ويوصف بأنه يخلق الموت في غيره، ولا يوصف بأنه ميت، فلم (٥) يمتنع لذلك أن (٦) بإرادته المعصية من غيره وبخلقه لأفعال المعصية من العباد والظلم منهم والسفه لا يسمى ظالماً ولا سفيهاً.

وأما قول المخالف: ليس في استدلالنا بقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} وما أشبهها من الآيات ما يدل على وجود ضد ذلك من الله، غير صحيح، لأن الزيغ في القلوب وصرفها (٧) وإمالتها عن الهدى منه (٨)، وقد أخبر الله بذلك عن فعله بمن لم يؤمن بقوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي


(١) في - ح- (الأشياء).
(٢) يوسف عليه السلام آية (٣٣).
(٣) هكذا في النسختين ولعل صوابها (أحد ابني).
(٤) المائدة آية (٢٩).
(٥) (فلم) ليست في - ح- والجملة هكذا فيها (فيمتنع ذلك بأن يريد بإرادته).
(٦) هكذا في النسختين ولعل صوابها (أنه) ليستقيم الكلام.
(٧) في - ح- (هو صرفها) ولعل الصواب ما في الأصل لاستقامة المعنى.
(٨) (منه) ليست في - ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>