للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت المعتزلة: خلق الله للعباد وبعثه الرسل وتكليفه لهم أمر واجب لما فيه من المصلحة، ويجب عليه أن يثيبهم على الطاعة (١).


(١) هذا القول من المعتزلة راجع إلى قولهم بالتقبيح والتحسين العقليين، وقد مرت الإشارة إلى الأقوال فيه ص ٢٠٩، وتبين القول الراجح منه، وأن العقل له أثر في التقبيح والتحسين في الجملة، إلا أن المعتزلة عمموا القول بالتحسين والتقبيح، وجعلوا العقل حاكماً في أفعال الله وشرعه وقاسوا أفعال الله على أفعال خلقه، فهم مشبهة الأفعال، فإنهم زعموا أن ما يحسن من المخلوق يحسن من الله عزوجل وما يقبح من المخلوق يقبح من الخالق، فعليه قالوا بإيجاب أشياء على الله لم يوجبها على نفسه ومنعوا أشياء عليه وقالوا فعلها قبيح والله لا يفعلها، مع صراحة الشرع فيما هو مخالف لقولهم كالشفاعة وإخراج الموحدين من النار وغير ذلك. ومن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين عندهم قعدوا قاعدة أخرى وهي القول بوجوب الصلاح أو الأصلح على الله عزوجل، وبهذه القاعدة قالوا بوجوب خلق الله العباد لأن خلقه لهم فيه منفعة لهم وهو تعريفهم الثواب، ثم إنه لا يتم ثوابه لهم إلا ببعثة الرسل إليهم، وتكليفهم هو واجب عليه لأنه حسن وتركه قبيح، ومن هذه القاعدة في التحسين والتقبيح عندهم قالوا بوجوب اللطف من الله بالعبد، وهو عندهم كل ما يختار المرء عنده الواجب ويتجنب القبيح، ولأجل هذا زعموا أن الله لا يقدر أن يهدي ضالاً ولا يضل مهتدياً، لأنه لو كان في قدرته لوجب عليه فعله وقبح تركه، وهذا كله افتراء وتحكم في الله عزوجل على حسب عقولهم وتشبيه للخالق بالمخلوق فيما يحسن منه ولا يحسن، والأدلة الشرعية التي ذكرها المصنف في هذا الكتاب ترد عليهم هذا القول وتبطله.
أما قولهم إنه يجب عليه أن يثيبهم على الطاعة فإن هذا راجع إلى ما زعموه من أن العبد مستحق للثواب إذا قام بالواجب استحقاق العوض عن المعوض عنه، وأنه إذا لم يفعل يكون بذلك ظالماً للعبد، وهذا قياس عقلي فاسد فإن الطاعة من العبد لا تفي بحق نعم الله على العبد في الدنيا فضلاً عن ثواب الآخرة، ومع ذلك يتبجح المعتزلة في مسألة استحقاق الثواب على الطاعة وعلى الآلام الحاصلة في الدنيا. انظر أقوال المعتزلة في هذه المسائل في: المغني في أبواب العدل والتوحيد ١/ ٧٢، ١٠٠، ١٣٤، شرح الأصول الخمسة ص ٥٦٤ - ٦١٤، المواقف للإيجي ص ٣٢٨ - ٣٣٠، المعتمد في أصول الدين للقاضي أبي يعلى ص ١٥٤، مفاح دار السعادة لابن القيم ص ١٠٤ - ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>