للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسئل الحسن البصري عن القدر؟ فقال: "إن الله تعالى خلق الخلق للابتلاء لم يطيعوه بإكراه ولم يعصوه بغلبة ولم يهملهم من الملك، وهو القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما (١) ملكهم إياه، لأنه قال سبحانه: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (٢). فإنما يأتمروا بطاعة لم يكن الله مثبطاً لهم، بل يزيدهم هدى إلى هداهم وتقوى إلى تقواهم وأن يأتمروا بالمعصية فهو القادر على أن يصرفهم إن شاء، وإن خلى بينهم وبين المعصية فمن بعد إعذار وإنذار" (٣).

وقيل لمحمد بن واسع (٤): يا أبا عبد الله ما تقول في القدر؟، قال: "أقول إن الله إذا جمع الخلائق سألهم عما افترض عليهم ولم يسألوه عما قضى عليهم" (٥).

وقال رجل لإياس بن معاوية إلى متى يتوالد الناس ويموتون؟ قال: "إلى أن


(١) في - ح- (على).
(٢) آل عمران آية (١٧٨).
(٣) لم أقف على من خرجه مع أنه ليس وافياً في بيان عقيد ة السلف في القدر، فإن الناس لا يأتمرون بطاعة ولا معصية إلا بمشيئة الله وإرادته وخلقه، فمن اهتدى فهو الذي هداه، ومن ضل فالله أضله وله عليه الحجة البالغة بالإعذار والإنذار ورفع الموانع الحاجة عن العمل قال عزوجل: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فلما ذكر الله عزوجل وعده بأن يملأ جهنم من الجنة والناس عقب على ذلك بأن ذلك كان أيضاً بسبب نسيانهم لله وما وقع منهم من تفريط وأعمال تغضبه جل وعلا.
(٤) محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس أبو بكر الأزدي البصري. قال الذهبي: "الإمام الرباني أحد الأعلام"، وقال ابن حجر عن ابن حبان إنه قال: "كان من العباد المتقشفة والزهاد المتجردين للعبادة" وكان قد خرج إلى خراسان غازياً وفضائله ومناقبه كثيرة جداً، توفي سنة (١٢٣ هـ). انظر: السير ٦/ ١١٩، التهذيب ٩/ ٤٩٩.
(٥) أخرج أبو نعيم في الحلية ٢/ ٣٥٤ نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>