للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً فإن في القرآن ما يحتاج في فهم معناه إلى كلام أو ضح منه وهو الحروف في أوائل السور، الم، كهيعص، حم، وما أشبهه فإن كان ذلك عبارة عن كلام الله القائم بذاته (١) فهلا عبر عنه بكلام أبين منه، وهذا باطل بقوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (٢)، فوصف (الر) بأنه الكتاب المبين.

ويقال للأشعرية: هل أسمع الله موسى وأفهمه جميع كلامه أو بعض كلامه فإن قالوا: أفهمه وأسمعه جميع كلامه، فقد جعلوا موسى عالماً بما في نفس الله وعالماً بالغيب، وقد أخبر سبحانه أنه لا يعلم ما في نفسه أحد، ولا يعلم الغيب إلا هو، وأخبر سبحانه أنه لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله، ويؤدي قولهم هذا أن موسى عليه السلام قد فهم التوراة والإنجيل والفرقان، وأن المشروع بالقرآن والإنجيل كان مشروعاً على بني إسرائيل وهذا باطل بالإجماع.

وإن قالوا: أسمع عليه السلام وأفهمه ما شاء من كلامه، رجعوا إلى ما عليه أهل الحق وأن كلام الله ليس بشيء واحد. وإن قالوا لم يسمع الله موسى كلامه القائم بذاته وإنما أسمعه العبارة عن كلامه وهي التوراة، أدى قولهم هذا إلى معان فاسدة، منها أن الله سبحانه بعض (٣) عن كلامه، ولو جاز هذا لقيل فيجوز أن يكون لعبارته عن كلامه عبارة عنها إلى ما لا يتناهى.

ومنها أن موسى يخرج عن أن يسمى كليم الله، وهذا ترك ورد لما ورد به نص القرآن وأجمع عليه المسلمون، ورجعوا بذلك إلى قول المعتزلة الذين هم حوله يدرون وعليه يعولون، وهو أن الله ما كلم موسى وإنما خلق كلاماً في الشجرة أسمعه موسى عليه السلام.


(١) (بذاته) من - ح- وليست في الأصل.
(٢) يوسف آية (١).
(٣) هكذا في النسختين ولعلها (عبر) فيكون المراد أو ضح، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>