أبو السبطين علي - رضي الله عنه - أول من واجه هذه الانحرافات بعد بروزها واضحة في المجتمع الإسلامي، فجالد الخارجين بسنانه وبيانه، فأظهره الله عليهم في الحالين، ثم من بعده الصحابة الذين أدركوا هذه الفتن كجابر وابن عباس وابن عمر وغيرهم - رضي الله عنهم-، ثم كبار التابعين، ثم تابعيهم إلى الأئمة الأربعة، ثم كبار تلاميذهم، ثم بدأت الفتنة تأتي على أتباع الأئمة ممن لم يستنر بنور الكتاب والسنة ولم يعتمد عليهما الاعتماد الواجب من أمثالهم، حتى أصبح كثير منهم له إمام في الفقه وإمام من المتكلمين في العقائد، فعم البلاء وانتشر الداء، وثبتت الفئة التي على كتاب الله اعتمدت ولسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- نصرت وهي التي تكفل الله ببقائها، فمضت في طريقها توضح السبيل وتنير الطريق في كل مكان وزمان، وهذا من عظيم منن الله عزوجل وفضله على هذه الأمة إذ لا تجتمع على ضلالة، ولا يندرس فيها الحق وتذهب آثاره بحيث يخفى على جميع الأمة.
وكان ممن نصر الحق وأبانه ونصح لله ودينه الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني، إمام الشافعية في بلاد اليمن فأقام الحجة وأظهر المحجة ودعى إلى نبذ البدعة والكلام والالتزام بالكتاب وسنة سيد الأنام في العقائد وفي الأحكام، فنفع الله به خلقاً كثيراً، اعتصموا بكتاب الله بدعوته، واهتدوا إلى الالتزام بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- في العقائد والأحكام ببيانه ومنهجه، وقد كتب في هذا ثلاثة كتب هي:(مختصرة في مسألة الكلام) رد فيه على الأشعرية والمعتزلة و (رسالة في المعتقد على مذهب أهل الحديث) وكتابه الكبير (الانتصار) الذي نصر به الحق ودحض به الباطل وأقام به الحجة على كل مبتدع، وقد وفقني الله عزوجل إلى الاطلاع عليه فاجتهدت في تحقيق نصه والتعليق عليه لعلي أكون بذلك مشاركا لمؤلفه في الدعوة إلى الكتاب والسنة على نهج السلف لعل الله عزوجل يذكر به غافلا أو يعلم به جاهلا أو يهدي به من فضله وكرمه مبتدعاً. وقد قسمت عملي في الكتاب إلى قسمين: