للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب: أن يقابل أحد هذين المذهبين بالآخر ويسقطان ويبقى لنا المذهب بينهما وهو مذهب أهل الحديث.

ثم يقال للقدرية: تسويتكم بين الشرك وبين المعاصي بهذا مخالف لنص القرآن وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١)، فنفى أنه يغفر (٢) الشرك ويغفر ما دونه لمن يشاء وتعليق مغفرته لما دون الشرك لمن يشاء يبطل قول المرجئة أيضا. فإذا وقف المذهبان موقفا واحدا في البطلان ثبت ما قلناه.

فإن قالت القدرية: فيجب حمل آي الوعيد في المغفرة لأهل الصغائر دون أهل الكبائر بدليل آي الوعيد.

قلنا: آي الوعيد بالمغفرة عامة للسيئات كلها والشرك يخرج بدليل الآي التي ذكرنها والإجماع، وبقي العموم متناولا لما دون الشرك من السيئات وعلى أن عند القدرية لا يجوز أن يعذب الله العباد على الصغائر وإن عذبهم عليها ظلمهم (٣)، فإن كانت غير متوعد عليها (٤) لم يخص بها العموم في الذنوب وعلى أنه يلزم القدرية إذ قالوا: بتخليد أصحاب الكبائر القول بمذهب الخوارج وهو تكفير أصحاب الذنوب وتخليدهم في النار، وهذا رد لما به القرآن والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار (٥).


(١) النساء آية (٤٨ - ١١٦).
(٢) في النسختين (لا يغفر) ولا يستقيم المعنى إلا بحذف أداة النفي.
(٣) تقدم حكاية هذا القول عنهم انظر: ص ٦٦٨، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص ٦٦٣ - ٦٦٤.
(٤) في - ح - (أصحاب الذنوب والصغائر والكبائر).
(٥) ثبت هذا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن مثقال شعيرة من إيمان ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من إيمان ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان". أخرج خ كتاب الإيمان (ب زيادة الإيمان ونقصانه ١/ ١٤، م. كتاب الإيمان (ب أدنى أهل الجنة) ١/ ١٨٢ والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وثابتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>