للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلمة، وكنت (١) لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر، فلما قضى أبو بكر خطبته قام رجل من الأنصار يقال له حباب ابن المنذر فقال: أنا جذيلها المحكك (٢) وعذيقها المرجب (٣) منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فقال عمر: إنه لا يصلح سيفان في غمد، ولكن منا الأمراء ومنكم الوزراء، قال: فارتفعت الأصوات وكثر اللغط حتى أشفقت الاختلاف، فقلت: يا أبا بكر أبسط يدك أبايعك، قال: فبسط يده فبايعته بايعه المهاجرون وبايعه الأنصار.

وزعم الأوس أن أول من بايعه بشير أبو (٤) النعمان، وزعمت الخزرج أن أول من بايعه أسيد بن حضر، فلما بلغ أهل السقيفة ازدحم الناس على أبي بكر ليبايعوه، فقال قائل منهم: قتلتهم سعداً، فقال عمر: قتل الله سعداً، (٥) ثم زفوه إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أهله حجبوه فلما رقى أبو بكر المنبر نظر في وجوه اقوم فلم ير علياً - رضي الله عنه -، فسأل عنه فقام زيد بن ثابت وجماعة من الأنصار فأتوا به فقال أبو بكر: أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه (٦)، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فقال: أين الزبير، فقام زيد وجماعة فجاؤوا به فقال له: أنت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه وأردات أن تشق عصا المسلمين، فال: لا تثريب يا خليفة رسول الله ثم


(١) في الأصل (بدون الواو) وما أثبت من - ح -.
(٢) الجذيل بضم الجيم وفتح الذال تصغير جذل بكسر الجيم أو فتحها، وهو عود ينصب للإبل لتحتك به من الجري، فأراد هنا أنه يستشفي برأيه كما تشتفي الإبل بالاحتكاك بذلك العود.
(٣) العذيق بضم العين وفتح الذال تصغير عذق بفتح العين وهو النخلة والموجب من الترجيب، وهو البناء الذي يبنى لدعم النخلة الكريمة إذا مالت حنى لا تسقط والمراد أنه كريم يرجع إلى قوله. انظر في الموضعين غريب الحديث للهوري ٤/ ١٥٣.
(٤) في النسختين (بشير بن النعمان) والصواب ما أثبت لأنه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وهو من الخزرج، وقد ذكره ابن حجر في الإصابة ١/ ٢٦٢ بأنه أول من بايع أبا بكر - رضي الله عنه - بالخلافة.
(٥) أكثر هذا الخبر من قوله: "وقال عمر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار" إلى هنا أخرجه خ. كتاب الحدود (ب رجم الحبلى من الزنا) ٨/ ١٤١، حم ١/ ٥٥ من حديث ابن عباس.
(٦) مبايعة علي والزبير - رضي الله عنهما - بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه رواها الحاكم في المستدرك ٣/ ٧٦ وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين" وسكت عنه الذهبي، وذكره ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية ٥/ ٢٨٠ من رواية الحافظ البيهقي بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وقال: "هذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد، وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلفه". ثم قال: "ولكن لما حصل من فاطمة - رضي الله عنها - عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق الميراث، ولم تعلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نورث ما تركناه صدقة". وهي امرأة من البشر ليست براجية العصمة، فحصل لها عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى توفيت - رضي الله عنها -، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها النبي صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر - رضي الله عنه - كما في الصحيحين - مع ما تفدم له من البيعة قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم". انتهى مختصرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>