للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن أبا بكر - رضي الله عنه - بعد ما بويع له وبايعه علي - رضي الله عنه - أقام ثلاثاً يقول: يا أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم، هل من كاره، فيقوم عليّ في أوائل الناس فيقول: والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك (١).

واحتجوا بما روي أنا أبا بكر - رضي الله عنه - قال في بعض خطبه: "وليتكم ولست بخيركم فإذا استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت (٢) فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم" (٣). قالوا فاعترف على نفسه أنه ليس بخيرهم وأنه يعصي الله.

والجواب على ذلك من وجوه:

أحدهما: أنه أراد وليتكم بالإمامة في الصلاة "وليست بخيركم" يومئذ لأن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: أنه أراد لست بخيركم قبيلة ولا عشيرة، لأن بني هاشم وبني عبد المطلب أعلى منه في ذروة النسب، ليدلهم بذلك أن الأمر لا يستحق بعلو النسب.

والثالث: أنه أراد التواضع وكره أن يزكي نفسه (٤) لأن الله قال: {فَلا


(١) أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة ١/ ١٣١ عن أبي الجحاف من طريقين، وهو منقطع لأن أبا الجحاف لم يلق أبا بكر - رضي الله عنه - ولا علي بن أبي طالب، وأبو الجحاف هو داود بن أبي عوف وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين، وقال النسائي: "ليس به بأس"، وقال ابن عدي: "ليس عندي ممن يحتج به شيعي عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت". الميزان ٢/ ١٨.
(٢) (وإن اعوججت) ليست في الأصل وهي من - ح -.
(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٣/ ٢١٢ عن الحسن البصري وهو منقطع لأن الحسن البصري لم يسمع من أبي بكر - رضي الله عنه -.
(٤) هذا الحق، وهو أن أبا بكر - رضي الله عنه - قصد التواضع وعدم تزكية النفس بقوله: "لست بخيركم" وله في هذا التواضع أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تخيروني على موسى". أخرجه خ. كتاب الأنبياء (ب وفاة موسى عليه السلام) ٤/ ١٢٦ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىقَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي". أخرج خ. كتاب الأنبياء (ب قوله عزوجل {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} الحجر آية (٥١) ٤/ ١١ ولا شك أنه - رضي الله عنه - خير هذه الأمة بعد نبيها لما تقدم من الأحاديث في فضله والإجماع الذي وقع على مبايعته، فلم يدع أحد أنه أفضل منه، وروى البخاري في فضائل الصحابة ٥/ ٤ عن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال: "كنا نخير بين الناس في. من النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم -".
وروي البخاري أيضاُ في فضائل أبي بكر ٥/ ٧ عن محمد بن علي بن أبي طالب بن الحنفية قال: "قلت لأي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، فخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين".
فهذا يدل على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وأن قوله هذا إنما قاله من باب التواضع وهضم النفس، وانظر: كتاب الإمامة لأبي نعيم ص ٢٦٨ ـ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>