للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (١)، فإذا كانت هذه حالة الأنبياء فكيف الأئمة (٢).

احتجوا بما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه خطب وقال: "إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها" (٣)، وقالوا: وكيف يستحق الخلافة وبيعته بهذه الصفة.


(١) الفتح آية (٢).
(٢) المراد بهذا ما يصدر من الأنبياء مما هو خلاف الأولى، ولا يقرون عليه وليس المراد به الوقوع في الكبائر.
(٣) أخرج هذا عنه خ. كتاب الحدود (ب رجم الحبلى من الزنا) ٨/ ١٤١، وذلك ضمن قصة مبايعة أبي بكر - رضي الله عنه - وقال فيها "فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت إلا وإنها كانت كذلك ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسملين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تفرة أن يقتلا"، ثم ذكر قصة السقيفة والمبايعة.
وسبب ذكر هذه الخطبة من عمر - رضي الله عنه - أنه بلغه عن أناس قولهم: "لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت"، فبين عمر - رضي الله عنه - أن بيعة أبي بكر كانت فجأة بسبب ظروفها وملابساتها من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أذهل كثيرا من المسلمين ومن قول الأنصار "منا أمير ومنكم أمير"، فاحتاج الأمر إلى عجلة يحسم بها الموقف، فكانت بيعة أبي بكر ثم بين - رضي الله عنه - أن أبا بكر لا يوجد مثله، وأنه لا يختلف فيه اثنان، وأن المسملين لمكانة أبي بكر - رضي الله عنه - لا يختلفون فيه، وهذا تصديق لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". وقد تقدم وهذا الذي كان. لهذا قال - رضي الله عنه - بعد ذلك "وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر" يبين في هذا - رضي الله عنه - أن أقوى الأمور وأفضلها وأحسمها للخلاف والنزاع كانت مبايعة أبي بكر - رضي الله عنه - الذي تتفق عليه جميع الأطراف، لهذا علل بعدها فضيلة هذه المبايعة وحسمها للشر بقوله: "خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد".
وللمسلم أن يتصور لو أن هذا الاختلاف وقع كما وقع في. من علي ومعاوية - رضي الله عنهما - كيف يكون حال هذه الأمة، فهذا يدل على ما لأجله كانت بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - بهذه الصورة وبركة هذه البيعة وفضيلتها. وإن الناظر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتاريخ الأمة المسلمة لا يجد أبرك على هذه الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم من الصديق أبي بكر - رضي الله عنه -، فقد كانت حياته وموافقة كلها بركة على هذه الأمة تجني الأمة ثمارها اليانعة إلى يوم الدين ولا يشاركها في هذه الميزات والخصائص بهذا الحد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - وعنهم أجميعن.
ولكن الروافض قوم بهت يُكذبون بالمنقول وينكرون المعقول، ولم يقصدوا بالطعن في سادات هذه الأمة إلا الطعن على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يقدروا على طعن المبي صلى الله عليه وسلم علانيته جهارا، لأن فيه إظهارا لكفرهم وكذبهم توصلوا إليه بالطعن في سادات المؤمنين أبر هذه الأمة وأفضلها أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتستروا بحب علي - رضي الله عنه - وأهل بيته، وإلا فكل عاقل نظر في حال الصحابة وأعمالهم وآثارهم يدرك الفرق بين أبي بكر وعمر وبين علي - رضي الله عنهم - أجمعين.
فلو أُخفي اسم كل واحد من هؤلاء وعرضت أعماله وآثاره ثم طلب من أي عاقل عادل أن يبين أفضلها وأبركها على هذه الأمة لما تردد في تفضيل أبي بكر وعمر على غيرهما من الصحابة عثمان وعلي ومن دونهما. إضافة إلى أن عليا - رضي الله عنه - لم يكن بينه وبينهما خلاف، ولا يرى أنه أفضل من أبي بكر ولا عمر وهذا يدل عليه أقواله وأفعاله - رضي الله عنهم - أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>