الوجود أيضا مشترك فيه التشبيه، إذا قلنا إنَّ وجود الصفة من حيث هي في المخلوق وفي الله - عز وجل - أنَّ هذا تشبيه فإذاً الوجود فيه تشبيه، فالله - عز وجل - موجود والبشر موجودون، إذاً ثَمَّ تشبيه، فالصفة التي أثبتها فيها تشبيه وهو يريد أن ينفي التشبيه أن ينفي الصفات الأخرى لأجل التشبيه.
كذلك نأتي للأشاعرة نقول أنتم أثبتم سبع صفات السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة إلى آخره، فنقول لم أوَّلتم صفة الوجه؟ لم أوَّلتم صفة اليدين؟ لم أوّلتم صفة الغضب، صفة الرضا، صفة المحبة، صفة الرحمة، إلى غير ذلك، يقولون؛ لأنّ هذه تستلزم التشبيه، فنقول: كذلك صفة السمع تستلزم التشبيه، كذلك صفة البصر تستلزم التشبيه، كذلك صفة الإرادة؛ الله - عز وجل - يريد والإنسان يريد، لماذا نقول إن هذا فيه تشبيه؟ يجيب الجميع منهم على اختلاف فرقهم بأن إرادة الله - عز وجل - مختلفة عن إرادة المخلوق، بأن قدرة الله - عز وجل - مختلفة عن قدرة المخلوق.
نقول إذاً نقول في باقي الصفات مثل هذا الأصل فكلام الله - عز وجل - يختلف عن كلام المخلوق ورحمة الله تختلف عن رحمة المخلوق فإثبات الصفات إثبات وجود؛ إثبات لفظ ومعنى لا إثبات كيفية، فلا اشتراك في الكيفية، الله - عز وجل - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، فكما أنه سبحانه له سمع يليق بجلاله وعظمته فكذلك له بصر يليق بجلاله وعظمته، له كلام يليق بجلاله وعظمته، وسمع الإنسان وبصر الإنسان وكلام الإنسان هذا يليق بحال الإنسان.
فإذاً الاشتراك في أصل الصفة، أما الكيفية وتمام المعنى فهذه لا اشتراك فيها.
فإذاً كل مؤول للصفات من الفِرَقْ يلزمه التناقض، كل من أول يلزمه التناقض؛ بل سيما أهل البدع دائماً في التناقض؛ لأنه يتناقض، ولو أعملوا القاعدة أننا نسلم للقرآن والسنة وما قاله السلف والصالح لما صار التناقض في أبواب الاعتقاد أبدا، ولكنهم تارة يثبتون وتارة يتأولون بعقولهم لأنهم خلطوا قولا سنيا وآخر عقليا.
س٦/ هل معنى قول من قال إن! َ القرآن مخلوق أنه مثل أعضائنا وغير ذلك من المخلوقات؟
ج/ الجواب: لا، يقولون القرآن مخلوق؛ يعني أنّ الله سبحانه خَلَقَ هذا الكلام وسماه قرآن، أو أنّ الله - عز وجل - خلقه في نفس جبريل فعبر جبريل بذلك، ليس أن! َ ثَمَّ شيء مخلوق يعني له صفته ويُمَسْ ويُحَسْ مثل الأعضاء، لا، خَلَقَ هذا الشيء يعني أنه ليس صفة،له خلقه في نفس جبريل وعبر جبريل عما وجده في نفسه.
س٧/ كيف نوفق بين كون الله تكلم بالقرآن وأنَّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ؟
ج/ الجواب: أنَّ مرتبة الكتابة أو جهة الكتابة للقرآن غير جهة الكلام، فالله - عز وجل - يعلم ما سينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود:١٤] ، فالله سبحانه يعلم أنَّ هذا القرآن -هذا الكلام- سينزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ هذا الذي سينزله مكتوباً في القرآن تشريفاً له وتعظيماً لمكانة هذا القرآن ولأنه حجة الله الباقية إلى قيام الساعة، أما التكلم فكلام الله - عز وجل - بالقرآن إنما هو حين أراد أن يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم، أو حين أراد أن ينبهه.
أما نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا فهذا أيضا عند من قال به نزول مكتوب لا نزول مسموع.