للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَحَالَفُوا الضَّلَالَةَ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بَرَآءٌ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَّالٌ وَأَرْدِيَاءُ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ.


هذه هي الجملة الأخيرة من هذه العقيدة المباركة، عقيدة أبي جعفر الطحاوي رحمه الله حيث بَيَّنَ فيها أصول الاعتقاد في الله - عز وجل - وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وبيَّنَ فيها تفاصيل الكلام على مسائل كثيرة تدخل تحت أركان الإيمان الستة، وذَكَرَ فيها كعادة من ألَّف في عقائد السلف ما يتصل بذلك من الكلام في الصحابة وما وقع من الفتن والكلام في من الأحق بالخلافة، والكلام في العشرة المبشرين بالجنّة، وما أشبه ذلك من المسائل المتصلة بمسائل الإيمان، وكذلك ذكر عِدَّةَ مسائل تتعلق بالقول في أهل العلم، وأننا لا نذكر أهل العلم سواءٌ أكانوا من أهل الحديث والأثر أو من أهل الفقه والنظر إلا بالخير ومن ذَكَرَهُم بغير الخير فهو على غير السبيل، وما شابه ذلك من المسائل.
وهذه المسائل التي ذَكَرَهَا حقّ، ويُقِرُّها عامَّة الأئمة إلا فيما استُثْنِي مما وافق فيه أبا حنيفة رحمه الله في بعض مسائل الإيمان ونحوه، مما لاحظنا عليه ولاحظ عليه العلماء من قبل وبعض الألفاظ التي تجنُّبُهَا أولى، كما مرّ معنا في مواضعه.
فلما ذَكَرَ ذلك كله قال (فَهَذَا دينُناً واعْتِقَادُناً ظَاهِراً وَبَاطِناً. وَنَحْنُ بُرَآءُ إلى الله مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وبَيَّنَّاهُ) .
ولا شك أَنَّ أبواب الاعتقاد متعلقة بالقلب، فالقلب أشد ما يكون في التغير، وأشد ما يكون في التقلُّب، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كان يقول «يا مقلّب القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعتك» (١) ، «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (٢) ، ونحو ذلك مما ورد في الآثار.
فالقلب يَتَقَلَّبْ سريعاً وأكثر شيء يتقَلَّبُ فيه القلب قول القلب وعمل القلب واعتقاد القلب؛ لأنَّ هذه مبناها على العلم، والعلم ينفع ويذهب، فكلما ترك شيئاً من العلم كلما أثَّرَ ذلك على القلب، فإذا ترك مسائل العقيدة أَثَّرَ ذلك على عقيدة القلب إما أَثَّرَ بنقص العلم وهذا له أثر في اليقين والاعتقاد الحق، أو أَثَّرَ بوجود الشبهة مع عدم العلم أو ضعف العلم.
والشيطان أفرح ما يكون من الإنسان أن يَتَغَيَّرَ قلبه، لأنه إذا تغير قلبه فإنَّ الجوارح تتغير كما قال صلى الله عليه وسلم «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (٣) ، ففساد القلب يكون بالشبهات وبالشهوات، فإذا عَرَضَت الشُبُهَاتْ وتَمَكَّنَتْ، وسبب تمكنها نقص العلم فإنَّ القلب يفسد، وأعظم ما تعرض الشبهات في مسائل العقيدة.
لهذا ما زال الأئمة وأهل العلم والنَّصَحَة للأمة حق النصيحة لأئمة المسلمين ولعامّتِهِم مازالوا يوصون بالاهتمام بالتوحيد والعقيدة؛ لأنَّهُ أقرب ما يكون تغَيُّرْ القلب في العقيدة لأنهها تُنْسَى، وقد تبقى المُجْمَلَات لكن التفصيلات تُنْسَى، ثُمَّ تأتي ذنوب القلب شيئاً فشيئاً وتقع الشُّبْهَة وتقع المِريَة ويقع الرَّيْبْ في القلب، ثمّ يُضِرُّ الإنسان بنفسه شيئاً فشيئا.
لهذا من أعظم الأدعية التي علمنا إياها ربنا - عز وجل - الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم في الصلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٥] ، والهداية للصراط طلب بأنْ يُهْدَى إلى الصراط، والصراط هو الإسلام والقرآن والسنة، والإسلام والإيمان والقرآن والسنة له تفاصيل، تفاصيل مختلفة، الإسلام شيء يتعلق بالقلب وشيء يتعلّق بالجوارح والعمل، والإيمان يتعلَّقْ بالقلب، والقرآن ثَمَّ أشياء كثيرة فيه آيات التوحيد وفي الغيبيات، هذه كلها عقائد والسنة كذلك.

<<  <   >  >>