للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثامنة] :

احتج المعارض والمخالف من المعتزلة والخوارج في أنَّ الشفاعة لأهل الكبائر لا تنفع، الشفاعة لمن في النار لا تنفع، بقول الله ? {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨] .

ووجه الاستدلال عندهم من الآية أنَّهُ قال {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} بالجمع، والذين يشفعون يوم القيامة هم الذين أذن الله لهم بالشفاعة وهم الأنبياء والمؤمنون، قالوا: فدلت الآية على أنَّ من في النار لا تنفعه الشفاعة -شفاعة الشافعين-، لأجل عموم لفظ الشافعين فهو عام في كل من يشفع.

والجواب عن ذلك:

١- أولاً:

أنَّ هذه الآية جاءت في سياق ذكر الكفار وأنهم في النار، فقال ? {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٢-٤٨] ، فقوله {فَمَا} الفاء هنا ترتيبية تُرَتِّبُ النتيجة التي بعدها على الوصف الذي قبلها، والوصف الذي قبلها في الكافرين الذين وصفهم بقوله {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ووصفهم بقوله {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} وهؤلاء هم الكفار.

والمسألة التي هي الشفاعة لأهل الكبائر هي في مَنْ كان مسلماً، أما المكذّب بيوم الدين والذي لم يصحَّ إسلامُه فإنه ليس هو محل البحث.

فإذاً استدلالهم بالآية في غير محله؛ لأنَّ الآية يقول بها من يثبت الشفاعة لأهل الكبائر في أنَّ المشركين ولو شفع بعضهم لبعض وظنوا أنَّ آلهتهم تشفع فما تنفعهم شفاعة الشافعين؛ لأنهم مشركون كفرة، والكافر لم يرضَ الله ? عنه، ومن شرط الشفاعة الرضا.

فلو شفع على فرض أنَّ أحداً شفع لهم من أقربائهم فإنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين، والله سبحانه إنما تنفع الشفاعة عنده لمن يأذن الله ? له ولمن يرضى.

٢ - ثانياً:

أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بمجموع طرقه «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» هذه نص وليست بالظاهر؛ يعني لا يحتمل التأويل، وكذلك قوله «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ومن نفسه» (١) هذا فيه ظهور في الدلالة؛ لأنها تعم من قال لا إله إلا الله مخلصاً وصاحب الكبيرة قالها، وقد قال صلى الله عليه وسلم «أسعد الناس بشفاعتي من قال» يعني الذي قال ومن المقرر أنَّ الاسم الموصول في العربية وعند الأصوليين يعم ما كان في حيِّزِ صلته بظهورٍ في العموم.

ولهذا نقول: إنَّ من مَنَعَ الشفاعة لأهل الكبائر من المعتزلة والخوارج هذا لأجل مذهبهم الرّديء في أنَّ فِعْلَ الكبيرة كُفْرْ وأنه يوم القيامة يكون من أهل النار والعياذ بالله، وهذا باطل كما هو مقرّر في موضعه من مباحث الأسماء والأحكام في الإيمان.


(١) سبق ذكره مع ما قبله (٢٠٣)

<<  <   >  >>