[المسألة السادسة] :
الشفاعة لا تنفع عند الله ? مطلقا كما قال سبحانه {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨] ، فليس كل شافع يُشفَّع وليست كل شفاعة تُقبل بل لا تنفع الشفاعة لا من الأنبياء ولا من الملائكة إلا بوجود شرطين فيها:
١- الشرط الأول: أي يأذن الله للشافع أن يشفع.
٢- الشرط الثاني: رضا الرحمن أعن المشفوع له.
كما قال سبحانه {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:٢٦] ، وقال سبحانه {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] ، يعني فيمن تنفعه الشفاعة.
لهذا قال العلماء يُشترط لحصول الشفاعة وقبولها:
١ - إذن الله جل جلاله
٢ - الرضا.
أ - أولاً: إذن الرحمن جل جلاله.
المقصود بالإذن: الإذن الشرعي والإذن الكوني.
فإنَّ العبد لا يبتدئ بالشفاعة كونَاً إلا بعد أن يشاء الله ? أن تقع منه الشفاعة كونَاً؛ يعني في الدنيا وفي الآخرة.
وكذلك لا بد لتحقيق هذا الشرط من الإذن الشرعي، فإذا شفع في من لم يُؤْذَنْ شرعاً بالشفاعة فيه، فإن الشفاعة لا تُقْبَلْ.
مثاله شفاعة إبراهيم في أبيه قال {لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة:٤] فلم تنفعه، وقال سبحانه في حقه {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة:١١٤] ، فلما تبين له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه.
كذلك شفع نوح عليه السلام في ابنه {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:٤٥] فأجابه الرحمن ? فـ {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود:٤٦] .
وكذلك شَفَعَ النبي صلى الله عليه وسلم في عمِّه وقال «لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عن ذلك» (١) ، فنزل قول الله ? {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:١١٣] .
فإذاً: ولو وقعت الشفاعة بإذن الله الكوني فإنها لا تنفع حتى يكون إذن الله الشرعي؛ يعني حتى تكون الشفاعة موافِقَةً للشرع.
موافِقَةً للشرع يعني الإذن الشرعي في صفتها وفي المشفوع له وفيما يكون في ذلك، وهذا الشرط مهم فيما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ب - ثانياً الرضا:
كما قال سبحانه {وَيَرْضَى} [النجم:٢٦] ، وقال ? في سورة الأنبياء في ذكر الملائكة {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:٢٨] ، هذا الرضا هو:
- رضا الله ? عن الشافع....
- رضا الله ? عن المشفوع له.
@ فرضا الله عن الشافع في قوله {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] .
@ ورضا الله عن المشفوع له في قوله {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى} ، وآية النجم في قوله {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:٢٦] كذلك.
إذاً فالرضا شرط:
١ - رضاه سبحانه عن الشافع، ولذلك الكافر لا يشفع....
٢ - رضا الله ? عن المشفوع له.
* ويرد على هذا شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، فهي مستثناة من هذا الشرط لأجل أنَّ الله ? رضي نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فحصل من أبي طالب مِنَ الفعل ما فيه نوع رضا لله ? عن الفعل لا عن الفاعل.
فإذاً هو إيراد على الشرط، والجواب أنَّ هذا استثناء وسبب الاستثناء ما ذُكِر.
(١) البخاري (٣٨٨٤) / مسلم (١٤١) / النسائي (٢٠٣٥)