للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الرابعة] :

أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى في تأصيل قولهم في الإيمان -الذي سيأتي في المسألة التي بعدها- خالفوا الخوارج والمرجئة.

وكذلك أيضاً في إخراجهم الواحد من أهل القبلة من الإيمان خالفوا الخوارج والمرجئة.

لهذا ثَمَّ ارتباط ما بين الدخول والخروج من جهة اليقين.

ولهذا المؤلف الطحاوي ذكَرَ لك تنبيه على هذا بقوله (وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ.) ، ولم يقل إلا بالجحد أو إلا بالجحود فيكون مُطْلَقَاً؛ بل قال (إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ) ، وذلك لأنَّهُ إذا ثبت الأمر بيقين لم يَزُلْ بالشك؛ بل لابد في زواله من يقين يماثل الأول، والمكفِّرات وما يُحْكَمُ على الواحد من أهل القبلة فيه بالردّة اختلف فيه الفقهاء والعلماء؛ لكن يجمع ذلك أنه لا يُخَصُّ عند أهل السنة بالجحد.

ولهذا نقول: الذين قيَّدُوا التكفير وإخراج العبد من الإيمان بالجحد فقط-يعني دون الاستحلال ودون الشّك ودون الإعراض إلى آخره- هؤلاء ذهبوا إلى أنَّهُ لا يَكْفُرُ إلا المعاند المكذّب ظاهراً كحال الكفّار والمشركين، وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ الله - عز وجل - بيّن أنَّ كُفْرَ من كَفَرَ من العرب:

- بعضهم من جهة الإعراض.

- وبعضهم من جهة الشك.

- وبعضهم من جهة الجحد ظاهراً والاستيقان باطناً وهو العناد.

ولهذا نقول: إنَّ المرجئة هم الذين قالوا: لا يخرج المرء من الدين إلا بالتكذيب فقط، فلابد من التكذيب، والتكذيب قد يكون مع الجحد، وقد يكون الجحد بلا تكذيب كما نصت عليه الآية {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣] .

إذا تبين هذا: فأصلُ قول المرجئة في الإيمان -كما سيأتي- أنَّ الإيمان أصله الاعتقاد، فلذلك جعلوا المُخْرِجَ منه التكذيب.

ومَنْ أضاف الاعتقاد والقول جعل المُخْرِجْ التكذيب والجحد، مثل كلام الطحاوي هنا؛ لأنَّهُ يأتي أنَّ الإيمان عنده هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، فيجعل التكذيب مُخْرِجَاً ويجعل الجحد مُخْرِجَاً لعلاقة التكذيب بالاعتقاد وعلاقة الجحد بالإقرار باللسان.

وأما أهل السنة الذين خالفوا المرجئة في هذه المسألة العظيمة؛ فقالوا إنَّ الركن الثالث من أركان مسمى الإيمان وهو العمل أيضا يدخل في هذا، وهو أنَّهُ يَخْرُجُ من الإيمان بِعَمَلٍ يعمله يكون من جهة اليقين مُخْرِجَاً للمرء مما أدخله فيه من الإيمان، وهذا سيأتي مزيد تفصيل له.

فإذاً أهل السنة عندهم المُخْرِجَات من الإيمان:

- منها التكذيب وهو أعظمها.

- ثم الجحد.

- ثم الإعراض وهو الذي جاء في قوله - عز وجل - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة:٢٢] ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُون} [الأحقاف:٣] ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:٢٤] .

- ومنه الشّك، الريب، يرتاب ما عنده يقين، المؤمن هو من لا يرتاب، أما إذا ارتاب لا يدري أمحمدٌ صلى الله عليه وسلم رسول أم لا؟ فإنَّ هذا صفة المنافق وهو المُعَذَّبْ في قبره بقوله حيث يقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. وهذه جُمَلْ يأتي لها مزيد بيان.

<<  <   >  >>