للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الخامسة] :

عذاب القبر هل هو عامٌّ لجميع فئات الأمة أم هو لبعض الفئات؟ يعني هل يشمل غير المُكَلَّفِين أم إنَّ عذاب القبر ونعيم القبر للمُكَلَّفِين؟

يعني من مات وهو صغير لم يبلغ سن التكليف أو مات وهو مجنون أو إلى آخره، ممن ليسوا محل التكليف، هل يحصل لهم في القبر نعيم أو عذاب؟

والجواب: أنَّ المُتَقَرِّرْ عند أئمة الإسلام أنَّ نعيم هؤلاء إذا لم يجر عليهم التكليف أنهم في ذلك تبع لحال آبائهم، فآباؤهم لمَّا كانوا مسلمين فإنَّ هؤلاء من أهل الجنة، فأطفال المسلمين الذين يموتون هم من أهل الجنة ومن أهل النعيم؛ لأنهم على الفطرة ولم يَجْرِ عليهم التكليف.

والصغير تُكْتَبُ له الحسنات لأنها فَضْلٌ من الله - عز وجل - ونِعْمَةْ، ولا تُكْتَبُ عليه السيئات لأنه لم يَجْرِ عليه القلم، فإذا عمل بحسنة تكتب له ويثاب عليها، وإذا عمل بسيئة فإنه لا يُؤَاخَذُ عليها لأنه لم يجر عليه التكليف، فيكون تَنَعُّمُهُ في القبر هو الأصل؛ لكن قد يُعَذَّبْ كما ثبت في السنة في الموطأ وغيره أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا لصبي أن يقيه الله عذاب القبر (١) ، فهل يكون معنى عذاب القبر هنا العذاب الذي يصيب المكلفين أو هو معنىً آخر؟

اختلف العلماء في ذلك -يعني علماء السنة-:

١- القول الأول: إنَّهُ يُصِيبُهُ العذاب كما يُصِيبُهُ النعيم، والله - عز وجل - أعلم بما كان سيعمل لو كَبُر، وهذا قول طائفة من أهل السنة.

٢- القول الثاني: وهو الصحيح الذي عليه أهل التحقيق أنَّ العذاب هنا ليس المراد منه العذاب الذي يصيب الكبار وهو العذاب على السيئات؛ لأنَّ الصغير ومن مات وهو مجنون لم يُكَلَّفْ -يعني جُنَّ وهو صغير ثم كَبُر ولم يُكَلَّفْ وأشباه هؤلاء- فإنهم ليس عليهم سيئات حتى يُعَذَّبُوا عليها؛ لأنَّ هذا الأصل واضح أنَّ القلم لا يجري إلا مع البلوغ.

فإذاً تُفهم أحاديث الدعاء للصغار بأن يقيهم الله عذاب القبر كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لصغير بقوله «اللهم قِهِ عذاب القبر» أنَّ العذاب هنا هو الألم الذي يحصُلُ للمدفون، والألم ليس دائماً في مقابلة سيئات عَمِلَهَا فقد يكون من أنواع الآلام التي الله أعلم بها مما يحصل في القبر كضمته أو أشباه ذلك مما يكون فيه من الموجعات؛ لكن الألم لا يعني العذاب، والقبر والبرزخ عَالَمٌ الله أعلم به.

* لذلك نقول: الصحيح أن يُحمل قول النبي في دعائه لمن لم يجر عليه التكليف «اللهم قِهِ عذاب القبر» على أنَّ المراد الألم والسوء وليس المراد العذاب الذي هو في مقابلة السيئات لأنَّ الصغير لم يجر عليه التكليف.


(١) الموطا (٥٣٦)

<<  <   >  >>