[المسألة الأولى] :
كلمة ("لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ") من أعظم الأذكار التي فيها الإقرار بربوبية الله - عز وجل - وبإلهيته وبأسمائه وصفاته، وفيها الإقرار بتَخَلِّي العبد عن كل حولٍ له وقوة ورؤية لما عنده من الآلات والقُدَرْ إلى ما عند الله وحده.
ففيها الفرار من الله - عز وجل - إليه وحده سبحانه وتعالى، وفيها التَّخَلِّي من رؤية النفس التي أوجبت الهلكة في الدنيا والآخرة على طائفة من الخلق.
فمعنى (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ) :
(لَا) : هنا نافية للجنس؛ يعني جنس الحول.
(حول) : هو إمكان التَّحَوُّلْ من حالٍ إلى حال، وحتى رَفع الكأس إلى فيك، وحتى حركة ثوبك وحركة عمامتك، وحتى حركة عينيك، فإنَّ هذا التحوّل من حالٍ إلى حال في أي شيءٍ تفعله فإنك تنفي جنسه، وتنفي القدرة على هذا التحول، إلا أن يكون بالله - جل جلاله -.
وهذا فيه التبرُّؤْ من الحول والقوة، وأنَّهُ لا يمكنك أن تتخلّى عن الله - عز وجل - طرفة عين، حتى في طرف عينك وفي حركة لسانك وفي حركة أنفاسك فإنَّه لا تَغَيُّرَ من حالٍ إلى حال ولا قدرة لك على تحول شأنٍ من شؤونك مهما قلّ إلا بالله - عز وجل -.
(وَلَا) : لَا نافية للجنس
(قُوَّةَ) : يعني أنَّكَ تنفي جنس القوة التي بها تُوجَد الأشياء والتي بها تُحَصِّل الأمور، تنفي جنسها أن تكون حاصلة لك استقلالاً، أو حاصلة لك في إحداث الأشياء، وهذا منفي، إلا أن تكون بالله - عز وجل -.
وهذه الكلمة العظيمة فيها:
١- أولاً: توحيد الربوبية:
وهذا حقيقة توحيد الربوبية لله - عز وجل -، فإنَّ الإيقان بأنَّ الله - عز وجل - هو المدبر للأمر {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة:٥] وأنَّهُ - عز وجل - {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:٥٩] وأنه - عز وجل - {يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:٨٨] ، وأنَّهُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر:٢] ، وأنَّهُ ما تسقط من ورقة، وأنه ما من شجرة، ولا هبوب ريح، ولا تحرك في وليد ولا في جنين ولا في دمٍ في العروق، ولا في حركة حيوان صَغُرَ أم كَبُرْ، وأنَّ ذلك كلَّه بتدبير الله - عز وجل -، وأنَّ كلماته الكونية - عز وجل - وسعت كل شيء، كما قال - عز وجل - في آخر سورة الكهف {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:١٠٩] ، يعني الكلمات الكونية لكثرة أوامره - عز وجل - الكونية فيما يحدث في أحوال العباد.
فتَنْظُرْ إلى توحيد الربوبية وتَعْلَمْ أنَّكَ لا فِعْلَ لك ولا حول في أي شيء ولا قوة إلا بالكريم - جل جلاله -.
ومن أعظم ذلك الذي تَتَبَرَأْ فيه من الحول والقوة الهداية وصلاح النفس وصلاح الظاهر وصلاح الباطن، فإنه لا يمكن لعبدٍ يرى نفسه أنَّهُ يفعل ويفعل وأنَّهُ يَقْدِرْ وأن يُوَفَّقَ أبداً؛ بل لا يُوَفَّقَ إلا من تبرأ من الحول والقوة في شأن التكليف وفي شأن الهداية {وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الإسراء:٩٧] ، سبحانه وتعالى.
٢- ثانياً: توحيد الألوهية:
فيها توحيد الإلهية أيضاً في أنَّهُ إذا كان لا حول ولا قوة إلا بالله وأنَّ المرء والمخلوق لا يمكنُ له أن يفعل إلا بالله وحده دون ما سواه، فلماذا يتعلق قلبه إذاً بغير الله من الآلهة والأنداد والأموات والأولياء والقوى المختلفة في حال البشرية، القوة المادية أو غيرها؟ لماذا يتعلق قلبه بهذه الأشياء؟
فإنما يكون إذاً تعلق القلب بمن يملك الانتقال والنُّقْلَةْ من حالٍ إلى حال ومن يملك القوة.