الحمد لله الذي أنْعَمَ بالصالحات ويَسَّرَ لِسُبُلِ الخيرات، هو المحمود على كل حال، وهو المحمود على نعمه التي لا ينفكّ منها العبد في صباحٍ ولا مساء، له الحمد كلّه كثيراً كما ينعم كثيراً، وله الشكر - عز وجل - كثيراً كما أنه يشفي ويتفضّل كثيرا، اللهم عاملنا بعفوك إنك سميع قريب، أما بعد:
[الأسئلة]
س١/ هل الملائكة الموكلة بالإنسان سواء الكتبة أو الحافظون تكون ملازمة للإنسان؟ أم أنهم ينفكون عنه عند دخوله الخلاء؟ وما معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦] ؟ (١)
: [[الشريط الواحد والأربعون]] :
ج/ أما معنى الآية فقوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فهذا قرب الملائكة، لا قرب الرب - عز وجل - بذاته سبحانه وتعالى؛ لأنَّ القرب كما هو معلوم نوعان:
- قربٌ عام.
- وقربٌ خاص.
والقرب العام لا يُثْبَتْ لله - عز وجل - قربٌ عام من جميع خلقه وإنما يُثْبَتْ القرب الخاص، وما جاء في النصوص من ذكر القرب العام كهذه الآية {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فإنما هو قرب الملائكة كما حققه ابن تيمية وابن القيم وجماعة آخرون.
والملائكة أنواع منها ملائكة ملازمة للعبد لا تنفك عنه البتة، ومنها ملائكة تنفك عنه وتفارقه في بعض المواضع أو لبعض الأسباب.
فدخول الخلاء، وجماع الإنسان لأهله، وكون الإنسان يكون جُنُبَاً، وأشباه ذلك مما جاء في الأحاديث، هذا من أسباب أنَّ بعض الملائكة لا يرافقونه، ينفكون عنه.
ثُمَّ هل الملائكة هذه هي الملائكة الكَتَبَة أم الحَفَظَة أم هما معاً؟
خلافٌ بين أهل العلم، والصحيح أنَّ الحَفَظَة بخصوصهم هؤلاء ينفكون عن ملازمته وأما الكتبة فإنهم لا ينفكون.
والحَفَظَة يحفظ الله - عز وجل - العبد بهم كما قال {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:١١] ؛ يعني يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء قَدَرُ الله تَخَلَّوا عنه، فالله - عز وجل - ييسر لهم من أسباب الحفظ ما ييسر.
هذا وجه في الجمع بين الأحاديث، وثَمَّ تفصيل آخر نكتفي بهذا، نعم
(١) نهاية الشريط الأربعين.