الشبهة التي ذكرنا من اسْتِرَاقْ السمع هي التي جاءت فيها الآيات أنَّ الشهاب يُرْسَلُ على الشيطان أو على الشياطين الذين يسترقون السمع.
واستراق السمع له ثلاثة أزمنة:
١- الزمن الأول: ما كان قبل البعثة، قبل أن يُوحَى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، يعني في حال أهل الجاهلية، وهذا كان استراق السمع كثيراً لحكمةٍ لله - عز وجل - في ذلك،، ولذلك كان ما يُخْبِرُ به الكُّهَان ويصدقهم الناس فيه كثيراً.
٢- الزمن الثاني: بعد أن أُوحِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ السماء مَلَأَهَا الله - عز وجل - حرساً شديداً وشُهُبَاً، كما قال - عز وجل - في سورة الجن مخبرا عن قول الجن في صدر السورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}[الجن:١] إلى أنْ قال {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن:٨] فَدَلَّ على أَنَّهَا مُلِئَتْ، ولم يَعْهَدُوا ذلك من قبل؛ يعني أنَّ الله - عز وجل - جَعَلَهَا محروسةً لأجل وقت تَنَزُّلِ وحيه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حكمةً منه، وإلا فالله سبحانه قادر على أن لا يأذن بشيء من استراق السمع لكن لله - عز وجل - الحكمة والابتلاء لعباده.
فمُنِعُوا من الاستماع، ومُنِعُوا من استراق السمع وبَقِيَ ما ينفذ القليل جداً بالنسبة إلى ما سبق.
٣- الزمن الثالث: هو ما بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ظاهر الأدلة يدلُّ على أَنَّها لم تَخْلُ بعد ذلك من الشهب ومن حراستها في ذلك لئلا يَدَّعِّيَ أحدٌ النبوة وتكثر الشبهة معه فيما يخبِرُ بالمغيبات ممن يدَّعِي النبوة.
وإذا كان الأمر كذلك في هذه الأحوال الثلاثة فإنَّ ادِّعاء علم الغيب كفر:
- إما لتَهَجُّمِهِ على ما يختص الله - عز وجل - به.
- أو لأَنَّهُ لا يدَّعِي علم الغيب إلا من يستعين بالجن ويتقرب إليهم.
وأما الذي يُصَدِّقُ من يَدَّعِي علم الغيب في بعض الأحوال مثل ما ذكرنا هذه لها تفاصيل ذلك.
والواجب أن يُعْتَقَدَ أَنَّ الغيب كما قدَّمْتُ لك في أول المسائل مختصٌ بالله - عز وجل - {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} هذا يعمّ لأنَّ أحداً نكرة في سياق النفي، فتعم كل أحد، ثم استثنى الله - عز وجل - فقال {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[الجن:٢٦-٢٨] فاستثنى الله - عز وجل - الرسول الملكي والرسول البشري فيما يُطْلِعُهُم عليه من علم الغيب لدليل صدقهم أو لحكمةٍ لله - عز وجل - في ذلك.