نختم بها قوله (قَدَّرَ لهمْ أَقْدَارًا) أنَّ هناك ألفاظاً تستعملها الطوائف جميعا في مبحث القَدَرْ، ولكل طائفة قصد ومصطلح في استعمالها، وهذه يجب عليك أن تنتبه لها.
مثال ذلك - ستأتي مفصّلة في موضعها إن شاء الله تعالى -.
مثال ذلك (مسألة الكَسْبْ) ، فإنَّ الكسب عند أهل السنة له معنى، وعند الأشاعرة والماتريدية له معنى، وعند المعتزلة له معنى.
فَلَفْظٌ واحد يرد في كتب أهل السنة، ويرد في كتب الأشاعرة والماتريدية، ويرد في كتب المعتزلة، وكل له في هذا المقام اصطلاحه ومعناه.
كذلك (نفوذ المشيئة، مشيئته نافذة) ، هذا عند المعتزلة له معنى، وعند الأشاعرة والماتريدية له معنى، وعند أهل السنة له معنى، نفوذ المشيئة، عموم المشيئة، شمول المشيئة.
فالقدرية يعنون بذلك معنى - يعني المعتزلة ومن نفوا القَدَرْ - والجبرية يصرفونه لمعتقدهم، وأهل السنة يذكرونه على ما دلت عليه النصوص.
المقصود من هذه المقدمات دخول لك في هذه المباحث المهمة؛ لأننا في تقرير هذه العقيدة الطحاوية نريد أن ننتقل بكَ من سرد المعلومات التفصيلية فقط في معتقد أهل السنة إلى ما يفتح لك آفاقا في رؤية كتب أهل العلم في الاعتقاد بعامة؛ لأننا الأصل أنَّ الذين يحضرون معنا سبق أن حضروا كتب كثيرة يعني كالواسطية وما قبلها في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة.
فتنتبه إلى أَنَّ الألفاظ في باب القَدَرْ متشابهة لكن المعاني مختلفة.
إذا قرأت كتاباً من كتب التفسير في الآيات التي فيها عموم المشيئة، في الهدى والضلال، في عموم خلق الله - عز وجل -، الله خالق كل شيء، في التفضيل، إذا قرأت كلاما لمفسر سلفي قد يستعمل العبارات التي يستعملها الأشعري أو يستعملها المعتزلي، وكل له اصطلاحه، ولهذا قال من قال عن كتاب "الكشّاف" للزمخشري إنه دسّ فيه مذهب المعتزلة في الصفات وفي القَدَرْ وهو أعظم بحيث لا يدركه إلا الناقد البصير.
هذه المسائل بتفصيلاتها تأتي إن شاء الله تعالى في مواضعها.