للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السادسة] :

هي أنَّ نفاة العلو لربنا - عز وجل - يُعْنَى بهم من ينفي علو الذات لربنا سبحانه وتعالى.

أما علو القَهْرْ والقَدْرْ فهذا يُثْبِتُهُ الجميع، فإذا قيل نفاة العلو فيُعْنَى بهم من ينفي علو الذات لله - عز وجل -.

والذين نَفَوا علو الذات لربنا - عز وجل - خالفوا الأدلة التي ذكرناها لكم من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وأيضاً احتجوا هم بأدلةٍ عقلية لنفي علو الله - عز وجل -، تعالى الله عن قولهم.

والدليل العقلي الذي من أجله نفوا صفة العلو لله سبحانه وتعالى قالوا:

إنَّ عُلُوَّ الذات يعني أنَّ الله - عز وجل - عالٍ على خلقه بذاته هذا يقتضي أن يكون في جهة؛ لأنَّ العلو أحد الجهات الست، والجهات الست هي أمام خلف يمين شمال تحت وفوق، فإثبات الفوقية وإثبات العلو يقتضي أن يكون الرحمن - عز وجل - في جهة من الجهات، وإثبات الجهة -على أصلهم- يقتضي أنه جسم.

طيب إذا كان جسماً عندكم، بحسب تأويلكم، هل هذه النهاية؟

قالوا: لا، إذا كان جسماً، إذا وصلنا إلى هذا فمعناه أننا نبطل الدليل الذي أثبتنا به وجود الرب - جل جلاله -.

ما معنى هذا الكلام؟

معناه أنَّ الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم أثبتوا وجود الرب - جل جلاله - عن طريق حلول الأعراض في الأجسام، وقالوا:

إنَّ جعل الجسم مُحْدَثَاً له مُحْدِثْ إنَّمَا تَبَيَّنَاه بأنْ أثبتنا أنَّهُ جسم، وكيف أثبتنا أنّه جسم؟

قالوا بحلول الأعراض فيه.

حلول الأعراض فيه إيش معناها؟

معناها أنَّ هذا الجسم يتصف بصفات لا تُرَى، يحل فيه أشياء تُغَيِّرُهُ وتُسَمَّى الأعراض، تَعرِضُ له وتزول عنه، فمثلاً البرودة هذا عَرَضْ على حد كلامهم، والحرارة عَرَضْ، أيضاً الانتقال عَرَضْ، التقدم والتأخر عَرَضْ، الانخفاض عَرَضْ، العلو عَرَضْ.

فهذه الصفات يجعلونها أعراض.

وهذه الأعراض إنما تقوم بالأجسام.

فلمَّا كان الجسم لا يقوم بنفسه، يحتاج إلى أعراض حتى تُمَيِّزَهْ وحتى يكون فاعلاً، استدللنا على أنّه يُفْعَلُ به لأنه هُوَ لم يجلب الأعراض بنفسه في الجسم، وإنّما جُلِبَتْ إليه فمعناه أنه محتاج فقير يُفعَلُ به.

فإذاً ثَمَّ فاعل وثَمَّ مُحْدِثْ إلى آخره.

فاستقام لهم بهذا أنَّ جميع الأجسام الموجودة ثَبَتَتْ جِسْمِيَّتُهَا بحلول الأعراض فيها، وما دام أنّه حلّت الأعراض فيها فثَمَّ من أَحَلَّ الأعراض فيها وأوجد الأعراض فيها والتي منها العلو والنزول والتقدم والتأخّر والمشي والهرولة والأخذ والرّد إلى آخره.

فلهذا جعلوا هذا قاعدة -تنتبه لها- فيما نفوا من الصفات.

يقولون الدليل العقلي يُبطل الإتصاف بهذه الصفة، أي دليل عقلي؟

هو الدليل العقلي الذي هو حلول الأعراض في الأجسام الذي به أثبتوا أنّ الله - عز وجل - موجود.

فإذاً قالوا:

لو أثبتنا العلو، لو أثبتنا أنَّ الله عالٍ بذاته - عز وجل -، لعَادَ هذا الإثبات على دليلنا بالإبطال؛ لأننا أثبتنا حدوث الأجسام بالأعراض.

طيب هذا عَرَضْ وهذه صفة تدل على أنه في جهة، وإذا صار في جهة معناه أنَّهُ متحيّز، وإذا صار متحيز معناه أنَّهُ جسم، إذا صار علو أيضاً عَرَضْ حلَّ في جسم، إذا صار جسماً معناه أنَّ ثمة شيء فَعَلَ به، فهذا إبطال للربوبية وتوحُّد الله - عز وجل - في الخلق.

ولهذا نفوا كل صفة من الصفات تكون من الأعراض أو تكون من الحوادث.

ولهذا يتَّسِمْ الصفاتية عموماً؛ بل وجَهْم قبلهم وهو الذي أنشأ هذا البرهان الباطل يَتَّسِمونْ بهذه السمة وهي أنهم يقولون الدليل العقلي يمنع الاتصاف بهذه الصفة، ويعنون به الدليل العقلي على إثبات وجود الله - عز وجل -.

وهذه الجملة اليسيرة فصَّلتها لكم أظن في أحد الشروح أظن في شرح الواسطية بتفصيل، وهي سبب ونشأة القول بنفي الصفات، كيف ظهر القول بنفي الصفات؟

لماذا اختلفت الأمة؟

وما هو منشأ الضلال فيها؟

وكيف تَفَرَّعَتْ؟

ذكرناها لكم أظن في دروس الواسطية أو في غيرها (١) .

إذاً فالشّبهة التي من أجلها نفوا العلو، هي أنَّ العلو جهة، وكون الرحمن في جهة معناها أنَّهُ مُتَحَيِّز، فإذا كان مُتَحَيِّزاً فمعناه أنه جسم إلى آخره.

وهذه كلها ناشئة من اعتقادهم صحة الدليل الأول.

والدليل الأول الذي هو إثبات وجود الرب - عز وجل - عن طريق حلول الأعراض في الأجسام لا نُسَلِّمُهُ، نقول هذا دليل أصلاً باطل ودليل غير صحيح ولا يستقيم لإثبات وجود الرب - عز وجل -.

بل أعظم إثبات لوجود الرب - عز وجل - هو الدليل القرآني وهو قول الرب - عز وجل - في كتابه {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥-٣٦] ، ليس ثَمَّ إلا احتمالين:

- إما أن تكون خالقا أو مخلوقا.

والسموات والأرض:

- إما أن تكون خالقة أو مخلوقة.

تكون خالقة هذا ممتنع لأدلة كثيرة، فلابد أن تكون مخلوقة.


(١) راجع شرح العقيدة الواسطية الشريط الثامن

<<  <   >  >>