وهدي السلف الصالح أنهم يدعون لهم ولا يدعون عليهم؛ لأنَّ: - بالدعاء لهم الصلاح والمعافاة كما سيأتي. - وفي الدعاء عليهم توطين القلوب على بُغْضِهِمْ وهو سَبَبٌ من أسباب اعتقاد الخروج عليهم والوسائل لها أحكام المقاصد، فكما أنَّ المقصد وهو الخروج واعتقاد الخروج ممنوع عند الأئمة في عقائدهم، فكذلك وسيلته في القلوب هي الدعاء عليهم لأنه يُحْدِثُ البغض لهم والبغض يؤدي إلى الخروج عليهم. وهذه تَضُمُّهَا إلى قوله في آخر الجملة (وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاةِ) يعني أنَّ هدي السلف وأئمة الإسلام في عقيدتهم أنَّهُ كما أنَّا لا ندعو عليهم فإننا لا نسكت؛ بل ندعو لهم بالصلاح والمعافاة. والدعاء لولي الأمر بالصلاح دعاءٌ للأمَّةْ في الواقع؛ لأنَّ صلاحه صلاح للناس. (وَالْمُعَافَاةِ) يعني أن يُعَافيه الله - عز وجل - مما ابتلاه به أو مما أَجْرَاهُ في رعيته من الأمور المخالفة للدين. وقد كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم -أظنه أبا ذر- كان يتكلم في معاوية رضي الله عنه في بعض تصرفاته السلوكية أو المالية أو التولية، فأتى به وقال له: يا فلان أليس لك ذنوب؟ قال: بلى. قال: فما ترجو في ذنوبك؟ قال: أرجو العفو والمعافاة من الله - عز وجل -. قال معاوية رضي الله عنه: أفلا رجوتَ لي ما رجوتَ لنفسك. قال فسكت. وهذا يدل على أنَّ الدعاء بالصلاح والمعافاة والتوفيق لولاة الأمر أنَّهُ هو الهدي الماضي وهو الذي يوافق الأصول الشرعية. وقد قال جمع من الأئمة منهم الفضيل بن عياض ومنهم الإمام أحمد وجماعة (لو كان لنا دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان) (١) . وقد نصّ البربهاري رحمه الله في كتابه شرح أصول السنة على أنَّ (من سيما أهل البدع الدعاء على ولاة الأمور ومن سيما أهل السنة الدعاء لولاة الأمور) . فهذه المسألة التي ذكرها الطحاوي هنا مقررة في كتب الأئمة تقريراً مستفيضاً.