للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بعدها (وَتَعَالَى عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ، لَا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ.) (١)


هنا ذَكَرَ هذه الألفاظ متابَعَةً لما جرى عليه المتكلمون في زمنه.
وهو ذّكَرَهَا بعد إثبات، فأثبت الصفات ثم نَفَى.
وقاعدة أهل السنة والجماعة: أنَّ النفي يكون مُجْمَلَاً وأنَّ الإثبات يكون مُفَصَّلَاً.
ففي قوله هذا نوع مخالفة لطريقة أهل السنة والجماعة؛ لكن كلامه محمول على التنزيه بعد الإثبات.
والتنزيه بعد الإثبات يُتَوَسَّعُ فيه لأنَّ طريقة أهل البدع أنهم يُنَزِّهُون أو ينفون بدون إثبات.
ينفون مفصلا ولا يثبتون.
ولكن المؤلف أثْبَتَ مُفَصَّلاً ونَفَى وكان في نفيه بعض التفصيل.
ولهذا نقول: عند الاختيار لا نقول هذا الكلام (تعالى ربنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء ونحو ذلك) عند الاختيار لا نقوله كما ذكرت لك وذلك أنَّ هذه الألفاظ فيها مخالفة من أوجه:
١ - الوجه الأول: أنَّ هذا نفي مُفَصَّل، وهو مخالف لطريقة أهل السنة؛ لأنَّ طريقتهم مأخوذة من قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، فنَفَى مُجْمَلَاً وأثْبَتَ مُفَصَّلَاً.
٢ - الوجه الثاني: أنَّ هذه الكلمات لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، فلهذا الذي لم يَرِدْ لا يَحسُن أن ننفيه ولا أن نُثْبِتَه؛ لأنَّ طريقتنا هو اقتفاء الكتاب والسنة.
فلفظ الحد والغاية والركن والأعضاء والأدوات والجهات، كل هذه ما جاءت في القرآن ولا في السنة، فلذلك لا نثبتها ولا ننفيها.
* وليس معنى النفي أَنَّهَا مُحْتَمِلَة، فإذا قال أهل السنة (لا ننفيها) لا يُفهم منه يعني أنَّ معناها محتملة، لا؛ ولكن لا ننفيها لأننا لا نتجاوز القرآن والحديث، هذا أمر غيبي كيف نتجاسر عليه بدون دليل.
فلذلك نقول لا نُثْبِتْ إلا بدليل ولا ننفي إلا بدليل.
فإذاً استعمال هذه الألفاظ لا يسوغ، والمؤلف يُؤَاخَذْ -رحمه الله- في استعماله هذه الألفاظ؛ لأنها من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة.
طبعا الحد والغاية متقارب في أن يكون له حد ينتهي إليه اتصافه بالصفة، وفي هذا مسألتان:

<<  <   >  >>