للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال رحمه الله بعدها (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَنَحْنُ بَرَآءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ)


يريد بذلك أنَّ جميع ما ذكره في هذه الرسالة وفي هذه العقيدة المباركة من أوله وآخره أنه دينه واعتقاده ظاهراً وباطنا؛ يعني أنه لا ينافق في ذلك ولا يُظْهِرُ شيئاً ويُخْفِي شيئاً، كما كان عليه طائفة من أهل زمانه من أنهم يقولون (لا تُظهر عقيدتك عند أحد؛ لأنك بين مخالِفِينَ فإما أن يثنوا عليك وإما أن يذموك) ، بل هذا ديننا وعقيدتنا واعتقادنا ظاهراً وباطناً؛ لأنَّ الاعتقاد والدّين الأصل في الإنسان أن يُعْلِنَهْ، وقد يجوز أن يستخفي به إذا كانت المصلحة في ذلك؛ لكن هذا في حال الفتنة وعدم استطاعة الثبات على البلاء؛ لكن الأصل أنَّ الإنسان يُعْلِنْ ما يعتقده ويدين به ظاهراً وباطناً.
قال متبرئاً من كل من خالف طريقة أهل الحديث والسنة والجماعة (وَنَحْنُ بَرَآءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ)
وقد تقدم لك أنه غلط رحمه الله في عدد من المسائل، هذه توكل إلى اجتهاده، وغلط في ذلك وفي الجملة كلامه موافق لكلام أهل الحديث وكلام أهل السنة في إثبات الصفات وفي القدر وفي سائر المسائل، لكن في مسألة الإيمان تابع فيها قول أبي حنيفة ومرَّ معك البحث في ذلك.
فنحن برآء إلى الله من كل مخالفة للكتاب والسنة لكل ما أمر الله - عز وجل - به أو أخبر من خالفه فنحن نتبرأ إلى الله - عز وجل - منه سواءً علمنا أو لم نعلم.
وهذا هو الأصل وهذا هو الاعتقاد أننا ندين إجمالا بما أمرنا الله - عز وجل - أن ندين به بالتصديق بالأخبار وباعتقاد وجود الأوامر والانتهاء عن النواهي، وجوب امتثال الأوامر ووجوب الانتهاء عن النواهي، إذا كان أمر إيجاب أو نهي تحريم.
وهذا ديننا وهذا اعتقادنا، أمَّا تعليقه بقول فلان أو بما ورد، فهذا يحتاج إلى تأمل ونظر لأن الناس يختلفون في ذلك اختلافاً بيِّنَاً.
وما من عالم ممن كتب في العقائد إلا وله اجتهاد يكون في مسألة في مسألتين، وهذا لا يعني أنه ليس من أهل السنة أو أنه خالف أو أنَّ كتابه لا يصلح.
فمثلا تنظر إلى أعظم الكتب التي كتبها السلف تجد فيها مسائل لا يُقِرُّهَا الآخرون لكنها مسائل نادرة في خِضَمِّ غيرها، إما أن يُثْبِتْ ما لا يَثْبُتْ مَثَلَاً في بعض الصفات، أو أنه يتأول واحدة بشيءٍ ظهر له، أو أنه يصف شيئاً ليس من العقيدة يجعله في العقيدة، مثل ما فعل البربهاري مثلاً في بعض المسائل، أو أنه ينسب شيء لأهل السنة وهو ليس من عقيدة أهل السنة.
فلذلك ما قَعَّدُوهُ وأجْمَعُوا عليه واتفقوا عليه فهذا ما يجب اتباعه، ولا تجوز مخالفته لأنه هو عقيدة أهل السنة والجماعة، وما اختلفوا فيه فلكل واحدٍ منهم عذره في ذلك؛ لكنه لا يُتَّبَعُ على ما زَلَّ فيه.
الحافظ ابن خزيمة كَتَبَ كتابا عظيما وهو قطعة من صحيح سماه التوحيد، ومع ذلك غلط فيه في بعض المسائل، في مسألة الصورة كما هو معروف لم يوافق بقية أهل السنة في ذلك.
مثلا عندك البربهاري ذكر مسائل ليست من العقيدة أصلاً وأشياء لم تثبت.
من ألَّفْ مثلاً في العرش جاء بأشياء ليس فيها دليل واضح وهكذا.
المقصود من ذلك أنه ليس من شرط أن يكون الكتاب على طريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحديث أن يكون سالما من كل اجتهاد؛ لكن إذا كانت أصوله التي انطلق منها هي الاستسلام للكتاب والسنة، ورَدْ التأويل والتعطيل واتباع الدليل، وعدم تسليط العقل على النصوص فهذا من أهل الحديث وأهل السنة، فلا بد أن يحصل له من الغلط ما يحصل له.
لهذا عَظَّمْ أهل العلم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه قَرَّرَ فيها ما اتفقوا عليه وأجمعوا عليه، وترك فيها ما لكل واحدٍ من أهل العلم ممن كتبوا في العقائد اجتهادات.
اعتنى المتأخرون من أئمة أهل السنة بكتب الشيخين شيخ الإسلام وابن القيم لسلامتها من المذاهب الردية وللاجتهادات التي [.....] يُوَافَقْ عليها.
نقف عند هذاويبقى عندنا الجملة الباقية هذه نبقى معها الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد وأن يختم لنا برضاه إنه جواد كريم.

<<  <   >  >>