[المسألة الثالثة] :
الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء.
فالمأمور به شرعا أن يَجْمَعَ العبد ما بين خوفه من الله - عز وجل - وما بين رجائه في الله - عز وجل -، والخوف عبادة والرجاء عبادة.
- والخوف المحمود: هو الذي يَحْمِلُ على طاعة الله - عز وجل - بِفِعْلِ أمْرِهِ وتركِ المحرمات، هذا هو الخوف المحمود، وهو المذكور هنا في قوله (نَخَافُ عَلَيْهِمْ) .
- والخوف المذموم: هو الذي يَصِلُ إلى القنوط من رحمة الله - عز وجل - {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦] .
أ- أولاً: الخوف:
الخوف من الله - عز وجل - عبادة مستقلة تحمل على:
١ - فعل الأمر واجتناب النهي.
٢ - عدم رؤية العمل الصالح -يعني رؤية أثره-، وكذلك على عدم رؤية العمل السيئ في أنه مُوْقِعٌ صاحبه وأنه مُهْلِكٌ له.
والله - عز وجل - مَدَحَ عباده الذين يخافونه في كتابه في مواضع كثيرة، كقول الله - عز وجل - في وصف الملائكة {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:٥٠] ، وأمر الله - عز وجل - بالخوف في قوله {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥] ، وقال - عز وجل - {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:١٦] ، وذَكَرَ خاصَّةَ عباده من المرسلين بالخوف فقال سبحانه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:٩٠] .
فَأَصْلُ الخوف من الله - عز وجل - عبادة عظيمة لا تستقيم العبادة إلا بها ولا يستقيم الإيمان إلا بالخوف.
فمن لم يكن عنده خوف أصلاً من الله - عز وجل - فليس بمؤمن لأنَّهُ يكونُ آمناً، والأمن ينقل عن ملة الإسلام، يعني الأمن التام بعدم وجود الخوف أصلاً من الله - عز وجل -.
ب - ثانياً: الرجاء:
والرجاء: أمل يحدو الإنسان في أن يتحقق له ما يريد.
قال طائفة من العلماء ونقله الشارح عندكم: إنَّ الرجاء لا يكون إلا باجتماع أشياء:
- الأول: المحبة لما رجاه، وهو يرجو أن يدخل الجنة فلابد أن يُحِبْ أن يدخل الجنة.
- الثاني: الخوف وهو أن يخاف مما يقطع عليه أمله، يخاف من الذنوب، يخاف من الكفر، يخاف من النفاق أن يقطع عليه أمله في دخول الجنة.
- الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة التي تكون سبباً فيما رجا، فمن تَرَكَ تقديم الأسباب وفعل الأسباب فلا يكون راجياً.
قالوا: والفرق ما بين الرجاء والأماني:
أنَّ الرجاء يكون معه خوف وعمل، والأماني إنما هي طمع ليس معها خوف ولا سعي في الأسباب.
والمطلوب شرعاً من العبد المؤمن فيما يراه في نفسه ولإخوانه المؤمنين أن يكون راجياً، وليس بذي أماني، قال الله - عز وجل - {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:١٢٣] .
فإذاً دَلَّ هذا الكلام من الطحاوي على الأصل الشرعي وهو أنَّ العبد ينظر إلى نفسه في عبادته وفي أثر عبادته إلى أنه يجمع ما بين الخوف والرجاء، وكذلك في نظره إلى إخوانه المؤمنين.