هذه الجملة من كلام العلامة الطحاوي رحمه الله من الأصول العظيمة في معتقد أهل السنة والجماعة، أنهم لا يُكَفِّرونَ أحداً من أهل القبلة بمجرد حصول الذنب منه إلا إذا اسْتَحَلَّهُ باعتقاد كونه حَلَالاً لَهُ أو حلالاً مُطْلَقَاً. وكذلك أنهم لا يُخَفِّفُونَ أمر الذنوب بحيث يجعلون الذنب غير مؤثّر في الإيمان. ولهذا قالَ تقريراَ لهذا الأصل العظيم (وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ، وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ.) . وهذه الجملة من كلامه أراد بها أنَّ حصول الذنب من أهل القبلة لا يعني تكفيره كما ذهبت إلى ذلك الخوارج، وحصول الذنب من أهل القبلة لا يعني أنَّ هذا المؤمن لم يتأثر بحصول الذنب منه كما تقوله المرجئة. فخالف بهذا القول الخوارج والمعتزلة وخالف أيضاً المرجئة. وهذه المسألة لاشك أنها من المسائل العظيمة جداً وهي مسألة تكفير المُنْتَسِبْ إلى القبلة الذي ثَبَتَ إسلامه وإيمانه إذا حصل منه ذنب. فإنَّ قاعدة أهل السنة والجماعة أنَّ من دخل في الإسلام والإيمان بيقين لم يُخرِجْهُ منه مجرد ذنب حَصَلَ منه، ولا يُخرجُهُ منه كُلُّ ذَنْبٍ حَرَّمَهُ الشارع؛ بل لابد في الذنوب العملية من الاستحلال بأن يعتقد أنَّ هذا العمل منه حلالٌ له وليس بذنب وأنه ليس بِمُحَرَّمْ. وهذا هو طريقة أهل السنة والجماعة بأنهم لا يُكَفِّرُونْ؛ بل يُخَطِئوُن أو يُضَلِّلُونَ أو يُفَسِّقُون. فنقول: مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته مسلم بما معه من التوحيد؛ ولكنه فاسقٌ لما ارتكب من الكبيرة التي أظهرها ولم يتب منها. فهذه الجملة فيها تقرير لعقيدة أهل السنة ومخالفتهم للخوارج والمعتزلة وكذلك فيها مخالفة أهل السنة للمرجئة. إذا تبين هذا فتحت هذه الجملة مسائل: