للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية] :

ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى؟

الاسم يكون من أسماء الله الحسنى إذا اجتمعت فيه ثلاثة شروط، أو اجتمعت فيه ثلاثة أمور:

- الأول: أن يكون قد جاء في الكتاب والسنة، يعني نُصَّ عليه في الكتاب والسنة، نُصَّ عليه بالاسم لا بالفعل، ولا بالمصدر، وسيأتي تفصيل لذلك.

- الثاني: أن يكون مما يُدْعَى الله - عز وجل - به.

- الثالث: أن يكون متضمِّنا لمدحٍ كاملٍ مطلقٍ غير مخصوص.

وهذا ينبني على فهم قاعدة أخرى من القواعد في منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وهي:

أنَّ باب الأسماء الحسنى أو باب الأسماء أضيق من باب الصفات، وباب الصفات أضيق من باب الأفعال، وباب الأفعال أضيق من باب الإخبار. واعكس ذلك.

فتقول: باب الإخبار عن الله - عز وجل - أوسع، وباب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء الحسنى.

وهذه القاعدة نفهم منها أنَّ الإخبار عن الله - عز وجل - بأنه (قَديمٌ بلا ابتدَاء) لا بأس به لأنه مشتمل على معنى صحيح، فلما قال (قَديمٌ بلا ابتدَاء) انتفى المحذور فصار المعنى حقا، ولكن من جهة الإخبار.

أما من جهة الوصف، وصف الله بالقدم فهذا أضيق لأنه لا بد فيه من دليل.

وكذلك باب الأسماء وهو تسمية الله بالقديم هذا أضيق فلا بد فيه من اجتماع الشروط الثلاثة التي ذَكَرْتُ لك.

والشروط الثلاثة غير منطبقة على اسم القديم، وعلى نظائره كالصانع والمتكلم والمريد وأشباههم لـ:

- أولا:

لم تَرِدْ في النصوص فليس في النصوص اسم القديم، ولا اسم الصانع، ولا اسم المريد، ولا اسم المتكلم، ولا المريد، ولا القديم، أما الصانع فله بحث يأتي إن شاء الله.

- ثانياً:

اسم القديم لا يدعا الله - عز وجل - به؛ يعني لا يُتوسل إلى الله به؛ لأنه في ذاته لا يحمل معنىً متعلقا بالعبد فيسأل الله - عز وجل - به، فلا يقول يا قديم أعطني، لأنه لا يتوسل إلى الله بهذا الاسم، كما هي القاعدة في الآية {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] ، فثَمَّ فرق ما بين التّوسل بالأسماء والتّوسل بالصفات.

- ثالثاً:

من الشروط: الذي ذكرناه هو أن تكون متضمنةً على مدحٍ كاملٍ مطلق غير مختص.

وهذا نعني به أنّ المدح، أنَّ أسماء الله - عز وجل - هي متضمنة لصفات.

وهذه الأسماء لابد أن تكون متضمنةً للصفات الممدوحة على الإطلاق.

غير الممدوحة في حال والتي قد تذم في حال، أو ممدوحة في حال وغير ممدوحة في حال أو مسكوت عنها في حال.

وذلك يرجع إلى أنَّ أسماء الله - عز وجل - حسنى؛ يعني أنها بالغة في الحسن نهايتَه.

ومعلوم أن حُسن الأسماء راجع إلى ما اشتملت عليه من المعنى؛ ما اشتملت عليه من الصفة.

والصفة التي في الأسماء الحسنى والمعنى الذي فيها لا بد أنْ يكون دالا على الكمال مطلقا بلا تقييد وبلا تخصيص.

فمثل اسم القديم، هذا لا يدلّ على مدحٍ كامل مطلق، ولذلك لما أراد المصنف أنْ يجعل اسم القديم أو صفة القِدم مدحا قال (قَديمٌ بلا ابتدَاء) ، وحتى الدائم هنا قال (دَائمٌ بلا انْتهاء) .

لكن لفظ القديم قيّده بكونه (بلا ابتدَاء) وهذا يدل على أن اسم القديم بحاجة إلى إضافة كلام حتى يُجعل حقا وحسنا ووصفا مشتملا على مدح حق.

لهذا نقول إنّ هذا الأسماء التي تُطلق على أنها من الأسماء الحسنى يجب أن تكون مثل ما قلنا صفات مدح وكمال ومطلقة غير مختصة، وأمّا ما كان مقيَّدا أو ما كان مختصا المدح فيه بحال دون حال، فإنه لا يجوز أن يطلق في أسماء الله.

ولهذا مثال آخر أبْيَنْ من ذلك، مثل المريد والإرادة، فإنَّ الإرادة منقسمة إلى:

١ - إرادة محمودة؛ إرادة الخير إرادة المصلحة، إرادة النفع، إرادة موافقة للحكمة.

٢ - والقسم الآخر إرادة الشرّ، إرادة الفساد، إرادة ما لا يوافق الحكمة، إلى آخره.

فهنا لا يسمى الله - عز وجل - باسم المريد، لأنّ هذا منقسم، مع أنَّ الله - عز وجل - يريد سبحانه وتعالى، فيُطْلَقْ عليه الفعل، وهو سبحانه موصوف بالإرادة الكاملة، ولكن اسم المريد لا يكون من أسمائه لما ذكرنا.

وكذلك اسم الصانع لا يقال أنه من أسماء الله - عز وجل -؛ لأن الصّنع منقسم إلى ما هو موافق للحكمة، وإلى ما هو ليس موافقا للحكمة، والله سبحانه وتعالى يصنع وله الصنع سبحانه، كما قال {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:٨٨] وهو سبحانه يصنع ما يشاء وصانِعٌ ما شاء كما جاء في الحديث «إِنّ اللهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ» (١) سبحانه وتعالى، ولكن لم يُسَمَّ الله - عز وجل - باسم الصانع لأنّ الصُّنع منقسم.


(١) مسلم (٦٩٨٩)

<<  <   >  >>