للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

: [[الشريط الخامس والثلاثون]] :

وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
قال الطحاوي رحمه الله هنا (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.)
هذه الجملة ذَكَرَهَا بعد الكلام على الخروج على الولاة أو قتل أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لظهور معنى الجماعة في ذلك.
وكلُّ ما ذَكَرَه من أول العقيدة إلى آخرها -يعني فيما أجمع عليه أهل السنة والجماعة- داخِلٌ في هذه الجملة.
فكُلُّ مسائل العقائد التي قَرَّرَهَا أئمة الإسلام فإنها اتِّبَاعْ للسنة وللجماعة، وكُلُّ مُخَالَفَةْ لهذه العقائد التي دلَّ عليها الكتاب والسنة وقرَّرَهَا الأئمة فهي شذوذ وخِلافٌ وفُرْقَةْ.
ولهذا هذه الجملة قاعدة عظيمة من قواعد العقائد بجميع تفاصيلها، كما سيأتي في بيان السنة والجماعة وبيان ما يُضاد ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا الاتِّبَاعْ الذي ذَكَرَهُ -اتِّبَاعْ السنة والجماعة واجتناب الشذوذ والخلاف والفرقة- هو منشأ السَّيْرْ على ما كانت عليه الجماعة الأولى؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوْرَثَ الجماعة الأولى -وهي جماعة الصحابة رِضوان الله عليهم- أورَثَهُمْ العلم النافع والعمل والهدى في أمور الدين كلِّه، في الأمور العلمية والأمور العملية.
فَأَجْمَعُوا على مسائل العلم والعقيدة والتوحيد، وعلى كثيرٍ من مسائل العمل، واختلفوا في بعض مسائل العمليات والفروع.
ثُمَّ صار سبيل المؤمنين الذي هو سبيل الجماعة الأولى، صار عَلَماً على اتِّبَاعِ النبي صلى الله عليه وسلم وترك الأهواء، ثُمَّ تَبِعَهُمْ التابعون، ثم هكذا إلى زماننا؛ بل إلى أن يموت آخر المؤمنين.
وهذا الأصل من أهم الأصول التي يُقَرِّرُهَا أئمة الإسلام؛ لأنه أصل وما بعده فرع.
فالخلاف في توحيد العبادة، أو في طريقة إثبات الربوبية، أو في الأسماء والصفات، أو في الإيمان، أو في القَدَرْ، أو في الصحابة، أو في التعامل مع ولاة الأمور، أو في أي مسألة من المسائل التي تُذْكر، الخلاف في ذلك خِلافٌ للجماعة الأولى.
ولهذا قال من قال من أئمة الصحابة (إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد) .
(إذا فسدت الجماعة) يعني إذا صارت الجماعة في اختلاف، فإنَّ المصيب منهم من وافق الجماعة التي كانت مجتمعة، غير مختلفة.
ولهذا صار هذا الأصل عَلَمَاً على أهل السنة والجماعة أتباع الصحابة والسلف الصالح، فَسُمُّوا أهل السنة والجماعة لهذا الأصل لأنهم يتَّبِعُونَ السنة والجماعة، ويأتي تفسير السنة وتفسير الجماعة.
وهذا الذي ذكروه هنا أخذوه من النصوص التي لا تُحْصَى في الكتاب والسنة في الأمر بالاجتماع نصاً أو معنى، وفي النهي عن الفرقة نصاً أو معنى.
فمن ذلك قول الله - عز وجل - {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] ، ومنه قوله - جل جلاله - {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:١٣] ، ومنه أيضاً قول الله - عز وجل - {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥] ،ومنه قوله أيضاً - جل جلاله - {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور:٥٤] ؛ يعني على الرسول ما حُمِّلَ من بيان السنة وبيان الشريعة وتبليغ ذلك.
{وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من اتباع السنة والجماعة واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فحُمِّلَ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ وحُمِّلَتْ الأمة الاتباع والمتابعة.
ومنه أيضا قول الله - عز وجل - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] ، ونحو ذلك من الآيات الصريحة في اتباع الجماعة والنهي عن الافتراق.
والسنة فيها من ذلك شيءٌ كثير:
كقوله صلى الله عليه وسلم «وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» (١) ، وفي رواية قال «هي ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (٢) .

<<  <   >  >>