للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا، لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ، وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ، وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:٣٨] .) ،فَوَيْلٌ لِمَنْ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْقَدَرِ خَصِيمًا، وَأَحْضَرَ لِلنَّظَرِ فِيهِ قَلْبًا سَقِيمًا، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهَمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا، وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أَفَّاكًا أَثِيمًا


قال رحمه الله بعد ذلك (وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا، لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ)
يعني ليس له ناقض ولا معقب.

(وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ، وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، وَذَلِكَ)
يعني هذا الذي أشار إليه.

(مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ)
يعني مما يجب أن يُعْقَدَ عليه القلب إيماناً به، وقال (عَقْدِ الْإِيمَانِ) يعني من ما يجب في الإيمان يكون عقيدة يُؤْمِنُ بها.

(وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ)
يعني أصول العلم بالله - عز وجل -.

(وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ)
يريد بتوحيد الله تعالى في هذا الموطن توحيد الله - عز وجل - في تَصَرُّفِهِ في مُلْكِهِ وفي عبادته، فإنَّ العبد إذا اعترف بأنَّ الله - عز وجل - هو المتَصَرِّفْ في ملكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنَّهُ هو المدبر وهو الرب - جل جلاله - فإنه يُوَحِّدُ الله في قَدَرِهِ، ويُوَحِّدُ الله - عز وجل - في أفعاله كما يُوَحِّدْ الله - عز وجل - في ربوبيته بعامة.
ففي الحقيقة من تأمل توحيد الربوبية وآمَنَ حَقَّاً بربوبية الله - عز وجل - فإنه يؤمن بالقَدَرْ؛ لأنَّ الإيمان بالقدر من ثمرات الإيمان التام بربوبية الله - عز وجل -، فإنَّ المؤمن بالربوبية، بأنَّ الله - عز وجل - هو الرب المتصرف في ملكه، هو السيد المطاع، هو الذي لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، هو الذي ما شاء كان، هو الذي لا يُغالَب في ملكه، هو الذي يعطي ويمنع ويخلق ويرزق ويميت ويحيي، من آمن بالربوبية على تفاصيلها فإنه لن يجادل في القدر؛ لأنه يعلم أنه مربوب مستسلم لله - عز وجل -.

ختم ذلك بقول (كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:٣٨] .) ، قال (فَوَيْلٌ لِمَنْ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْقَدَرِ خَصِيمًا، وَأَحْضَرَ لِلنَّظَرِ فِيهِ قَلْبًا سَقِيمًا، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهَمِهِ)
(الوَهَمْ) بالتحريك، وَهَمْ: هو الفَهْمْ أو الإدراك أو الذهن أو ما أشبه ذلك.
و (الوَهْمْ) بالسكون: هو الغفلة عن الشيء، يقال هذا وَهْمٌ يعني هذا غلط وغفلة ونحو ذلك، أما الوَهَمْ فهو الإدراك والفهم إلى آخره.

قال (لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهَمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ)
يعني بذهنه وبفهمه وتفكيره

(فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا، وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أَفَّاكًا أَثِيمًا.) .
فأسأل الله - عز وجل - أن يكتب لي ولكم الإيمان التام بقدر الله - عز وجل -، وأن يجعلنا ممن سَلَّمُوا لله - عز وجل -، وآمنوا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته حقا وصدقا دون تردد ولا ريب ودون معارضة لما أمر الله - عز وجل - به وقضى.

<<  <   >  >>