[المسألة الثانية] :
قَرَّرَ الطحاوي هنا أن الاستطاعة على قسمين:
- استطاعة مُتَقَدِّمَةْ، وهذه لا يجب أن تكونَ مع الفعل؛ بل تتقدم وهي المُتَعَلَّقْ بها الأمر والنهي.
- واستطاعة مُقَارِنَة يَجِبُ بها الفعل؛ يعني إذا وُجِدَتْ الاستطاعة حصل الفعل دون تأخر.
١ - أولاً: الاستطاعة قبل الفعل:
«صل قائما فإن لم تستطع فقاعداً» عدم الاستطاعة هنا هل هي خاضعة لِأَنْ يُجَرِّبْ إذا أراد أن يصلي، أو لعدم تمكن آلته من القيام، معروف قبل أن يدخل أصلاً في الصلاة.
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] ، يَبْدَأْ يَحِجْ ثم ينظر هل هو مستطيع أو لا، أم أنَّ الاستطاعة التي هي الزاد والراحلة وغير هذين أيضاً، هذه تكون قبله؟
تكون قبله.
إذاً هذه معلومة قبل.
فإذاً التكليف الأمر والنهي والعُذْرْ إلى آخره، هذه مُتَقَدِّمَة، استطاعة؛ قدرة، وُسْعْ، آلات، سلامة، صحة، إلى آخره متقدمة.
أيضاً ليست الاستطاعة المرادة في الشرع هي الاستطاعة الكونية؛ بل المراد الاستطاعة الشرعية. -وهذا أوضحت لكم أنَّ الدليل دلَّ عليه-.
والاستطاعة الكونية هذه أخصُّ من الاستطاعة الشرعية، فإنَّه قد يكون المرء مُستطيعاً كوناً ولكنه ليس بمستطيعٍ شرعاً.
مثاله: يمكن له أن يُسِيْلَ الماء على جُرْحِهِ الذي لم يندمل، يمكن أن يغتسل ويُسِيْلْ الماء عليه، هذا يمكنه كونَاً ويستطيع، يمدُّ يده ويصب الماء عليه إلى آخره.
يمكنه أن يصلي الصلوات قائماً لأنَّه غير مشلول؛ لكنه شرعاً لا يُسَمَّى مُستطيعاً لأنَّ:
الأول يورثه زيادة في المرض والشريعة مُتَشَوِّفَة للتيسير.
والثاني يورثه أيضاً عدم الخشوع في الصلاة والتعب إلى آخره ومجاهدة النفس وربما أورثه زيادة المرض، والشريعة متشوفة في الصلاة إلى خشوعه وحضور قلبه وإلى أن لا يزيد مرضه إلى آخره.
فإذاً مما لم ينظُرُوا إليه في البحث أيضاً أنَّ الاستطاعة التي هي سلامة الآلات المُرَادَةْ في القَدَرْ والمرادة في تحقيق المسألة هي الاستطاعة الشرعية لا الاستطاعة الكونية.
أما كونه يقدر، سليم الآلات إلى آخره، هذا قد يُدْخِلُنَا في تكليفه ما هو فوق طاقته أو فوق ما فيه مصلحته شرعاً.
ولهذا نقول: الاستطاعة التي هي قبل الفعل نقسمها إلى قسمين:
- استطاعة كونية.
- واستطاعة شرعية.
والاستطاعة الشرعية هي المُرَادَةْ؛ لأنها هي التي تَعَلَّقَ بها التكليف والأمر والنهي.
فإذاً حَصَلَ من هذه المسألة أنَّ الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل، والتي قبل الفعل تنقسم إلى قسمين، يعني من حيث النظر إليها.
٢ - ثانياً: الإستطاعة مع الفعل:
أما الاستطاعة التي مع الفعل (وهي المهمة في هذا الباب، وهذه المسألة عَرْضُهَا في الكتب غير واضح، ويُدْخِلُونْ بعض البحث في بعض، وأنا أُرَتِّبْهَا لك، فكن حاضر القلب معي حتى تستوعب الخطوات) .
فالفعل لا يكون ولا يحصل لأي إنسان -ما يمكن أن يَفْعَلْ الشيء ولا أن يَحْدُثَ هذا الشيء- إلا بوجود ثلاثة أشياء، إذا تَخَلَّفَ واحدٌ منها ما حَصَلَ هذا الشيء أبداً:
@ - القدرة التامة على إيجاد الفعل:
القدرة التَّامَّة ما معناها؟
معناه أنَّهُ إذا لم يكن عنده القدرة على الفعل فإنَّه لا يمكن أن يحصل الفعل.
الأعمى إذا أراد أن يقرأ كتاباً فهل يمكنه؟
يأخذ الكتاب هذا الذي معي ويقرأه، وحروف الكتاب هي الحروف التي يقرأها الُمْبِصْر غير الحروف الثانية التي يستدل بها باللمس.
لو وَضَعَهُ أمام عينيه فإنه لا يمكنه، لو أخذ المصحف ووضعه أمام عينيه فإنه لا يمكن أن يقرأ شيئاً، واضح، لماذا؟
لأنه ليس عنده القدرة.
الذي لم يتعلم الكتابة لو أخذ القلم بيده بين أنامله وأراد أن يَخُطَّ جملة لم يستطع، لماذا؟
لأنَّهُ لم يتعلم.
المتعلم للكتابة باللغة العربية لا يمكن أن يكتب باللغة الصينية؛ لأنَّهُ وإن كان يعرف الحروف باللغة العربية؛ لكن لا يمكنه أن يكتب بالصينية، لأنه لا يقدر على هذا بخصوصه.
فإذاً القدرة التامة هي التي يحصل بها الفعل.
@ - الإرادة الجازمة:
ونعني بالجازمة غير المترددة، فإذا وُجِدَتْ الإرادة الجازمة مع بقية الشروط وُجِدَ الفعل.
لكن لو وُجِدَتْ الإرادة فقط ولم توجد بقية الشروط -ونذكر مثالنا الآن الذي ذكرنا القدرة- فهل يمكن أن يحصل الفعل؟
لا يمكن أن يحصل الفعل.
يريد أن يذهب إلى مكة لكن ما عنده قدرة مالية، يمكن يذهب؟
ما يمكن.
يريد أن يكون حافظاً لكتاب الله لكن ليس عنده القدرة على الحفظ هل يمكن؟
ولو كانت إرادته جازمة ويتمنى وإلى آخره، لا يمكن.
فإذاً الإرادة الجازمة غير المترددة شرطٌ في حصول الفعل، لا يمكن أن يحصل الفعل بإرادةٍ مترددة [.....]
@ - أن يشاء الله - عز وجل - حصول هذا الفعل:
فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومشيئته الكونية في هذا، إذا شاء أن يكون الفعل ممن عنده قدرة وإرادة فإنه يُعِينُ العبد على حصول هذا الفعل، كيف يعين العبد؟