المجسمة شَبَّهُوا، والمُأوِّلَة أو المُحَرِّفَة نَفَوا. فهؤلاء نفوا الصفات والمجسمة مثَّلُوا، فمن كان مُمَثِّلَاً أو مُحَرِّفَاً فقد زَلَّ ولم يصب التنزيه. ولهذا نقول: إنَّ قوله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ) أنَّ هذا تحذير حتى للمُوَحِّدْ. لا يخطر ببالك أنَّ الله - عز وجل - في صفته ثَمَّ مُشَابَهَة بينه وبين صفة الخلق، وكل ما خطر بباك فالله - عز وجل - بخلافه، لا من جهة تمام الصفة ولا من جهة الكيفية، وإنما نثبت كمال الصفة، الكمال المطلق؛ لكن كيف هذا الكمال حدود هذا الكمال؟ لا نستطيع ذلك.
قال رحمه الله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) هذه العبارة مُقَرِّرَةْ لقاعدة عامة من قواعد أهل السنة والجماعة: أنَّ صفات الرب - عز وجل - يجب أن لا يُسَلَّطَ عليها النفي، ولا أن يُعْتَقَدَ فيها التشبيه؛ بل يجب على المسلم في إثباته للصفات أن يَتَوَقَّى نفيها بدرجاته، وأن يَتَوَقَّى التشبيه؛ فلا يُثبِتْ مُشَبِّهاً ولا ينفي مُعَطِّلاً. قال (زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) لأنه ليس على الطريق الحق، فكلّ من تَعَرَّضَ للصفات بنفي أو بتشبيه فإنّه ليس بموحّد. قال (لَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) يعني لم يُصِبْ التوحيد وتنزيه الرب - عز وجل - عمّا لا يليق بجلاله وعظمته. وهذا الأصل معلوم في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة: منها قول الله - عز وجل - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) } [الإخلاص] . وقال سبحانه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] . وقال أيضا - عز وجل - {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:٢٧]ـ. {لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يعني له النعت الأعلى والوصف الأعلى. و {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} يعني يُسَامِيه يُمَاثِلُهُ يُشَاِبُهُه في كمال أسمائه وما تضمنته من الصفات، فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] . إذا تبين لك هذا المعنى العام لهذه الجملة فقوله (النَّفْيَ) و (التشْبِيهَ) و (التنْزِيهَ) هذه ألفاظ تحتاج إلى شرح، ونتناولها في مسائل: ١ - (النفي) :