للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية] :

الإيمان في اللغة هو التصديق الجازم -كما ذكرنا لك- الذي يتبعه عمل يأمن معه المُؤْمِنْ الغائلة أو العقوبة إلى آخره.

وقولنا التصديق الذي معه عمل هذا تحصيل حاصل؛ لأنَّهُ إذا كان الشيء يلزَمُ منه العمل فإنه لا يُطْلَقُ لفظ مُصَدِّقَاً في اللغة على من صَدَّقَ حتى يعمل.

مثاله: أتى شخص وقال لآخر سيارتك الآن تُسْرَقْ.

فقال له الآخر: جزاك الله خيراً.

قال: لك فيها أموال ولك فيها أشياء وهي الآن تُسْرَقْ.

قال الآخر: جزاك الله خيرا وجَلَسَ ولم يتحرك.

فهل يُعْتَبَرُ في اللغة مُصَدِّقَاً؟

إذا كان قد صَدَّقَ الخبر فإنه لابد أن يتبعه بعمل يدلُّ على صدقه؛ لأنَّ الناس لا يُفَرِّطُونْ بأموالهم ولا يفرِّطُون بما فيه قوام حياتهم.

فإذا مَكَثَ وقال أنا مُصَدِّقْ، وهو ما ذَهَبَ، ما أتْبَعَهُ عمل، فلا يُسَمَّى مُصَدِّقَاً في اللغة، ليس في الشرع، لا يسمى مُصَدِّقَاً في اللغة.

ودلَّ على هذا الأصل قول الله - عز وجل - في قصة إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل في سورة الصافات قال {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:١٠٢-١٠٣] ، لاحظ العمل {فَلَمَّا} و {لَمَّا} انتبه لكلمة {لَمَّا} ، {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:١٠٣-١٠٥] ، رؤيا الأنبياء حق، إذا رآها النبي صدَّقَ بأنها وحي من الله - عز وجل -.

لكن متى صار مُصَدِّقَاً بالرؤيا؟

لمَّا امتثل دلالتها {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} وهذا تصديق لغوي وهو أيضاً تصديق شرعي.

إذاً فالإيمان في العُرْفْ - الحقيقة العرفية- ولو أرجعناه إلى التصديق فإنَّ حقيقة التصديق أن يكون معه عمل، فلا يُسَمَّى مُصَدِّقَاً من ليس يعمل أصلاً فيما صدّق به.

<<  <   >  >>