للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية] :

التأويل في استعمال أهل العلم أو فيما جاء في الكتاب والسنة وفيما جرى عليه كلام العلماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

١- القسم الأول: التأويل بمعنى التفسير.

تأويل كذا يعني تفسيرَه، {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي} [يوسف:١٠٠] يعني هذا تفسير {رُؤْيَاي} .

و [ذهب] قول العلماء في تفسير القرآن (قول أهل التأويل) ؛ مثل ما يستعمل الإمام ابن جرير في تفسيره ويكثر منه، فيقول (قال أهل التأويل) يعني أهل تفسير القرآن.

٢- القسم الثاني: تأويل الأخبار وتأويل الأمر والنهي.

تأويل الخبر ما تؤول إليه حقيقة الخبر.

يعني أنه إذا ذُكِرَ شيء لك فأُخْبِرْتَ به فتَأْوِيْلُهُ حينما تراه كما قال - عز وجل - {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} يعني تأويل ما ذَكَرَ الله في سورة الأعراف من خبر يوم القيامة من الجنة والنار {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ} [الأعراف:٥٣] إلى آخر الآية.

قوله {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} يعني ما يؤول إليه حقيقة الخبر وهو ما سيراه الناس.

فتأويل كل خبر في الأمور الغيبية هو حقيقته التي هي عليه.

فتأويل الجنة هو حقيقة الجنة، تأويل النار حقيقة النار.

فهذه الأخبار التي أَخْبَرَ الله - عز وجل - بها من الغيبيات تأويلها هي حقائقها في الأمور الغيبية، ولهذا قال - عز وجل - {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧] على من وقف عند لفظ الجلالة.

لأنَّ أَحَدَاً لا يعلم التأويل إلا الله؛ يعني تأويل المتشابه.

يُعنى بهذا التأويل ما تؤول إليه حقائق هذه الأشياء، يعني ما هي عليه وهذه لا يعلمها إلا الله.

لا يعلم حقيقة الصفات إلا الله، لا يعلم حقيقة الجنة والنار إلا الله، لا يعلم حقيقة يوم القيامة إلا الله، لا يعلم حقيقة ما في السماء إلا الله، لا يعلم حقيقة الصراط وأحوال البرزخ إلا الله - عز وجل -.

فهذه الحقائق لا يعلمها إلا الله؛ لكن المسلم يعلم المعاني في الأمور الغيبية، أُخبرنا في الأمور الغيبية بأشياء لها معنى فنعتقدها، وأما حقيقة ما هي عليه بكمالها من جهة المعنى والكيفية، هذه لا يعلمها إلا الرب - عز وجل -.

لهذا صَحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّهُ قال (ليس في الجنة من دنياكم إلا الأسماء) (١) .

يعني أنك تعرف أصل المعنى، أما الحقائق فالمسألة ليست بمقدور الناس أن يفهموا حقيقة ما في الجنة.

حقائق الأخبار إذاً، حقيقة الخبر من جهة تمام المعنى ومن جهة كيفية الأمور الغيبية هذه لا يعلمها إلا الله.

فيكون الوقف عند الآية {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} .

والراسخون في العلم لا يعلمون تأويل الأخبار بمعنى حقائق الغيبيات على ما هي عليه من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى.

أمَّا الأمرُ والنهي: فالله - عز وجل - أَمَرَ بأوامر ونَهَى عن نواهي: فتأويل الأمر امتثاله، وتأويل النهي الانتهاء عنه؛ لأنَّ الله - عز وجل - قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:٥٩] ؛ يعني وأحسن امتثالاً لأمر الله - عز وجل - وأحسن عاقبة.

فإذاً كل من أُمِرَ بِأَمْرٍ فتأويلُ الأمْرِ؛ يعني ما تؤول إليه حقيقة الأمر هو أنْ يمتثله.

فمن لم يمتثل فلم يستسلم للأمر ولم يطع في ذلك.

تأويل النهي هو ما تؤول إليه حقيقة النهي وهو امتثاله - امتثال النهي يعني أن يجتنب النهي؛ أي ما نُهِيَ عنه.

ثم يزيد على الأمرين:

- في الامتثال بالأوامر عاقبة أو جزاء الامتثال.

- وفي الإنتهاء جزاء الانتهاء عما نهي عنه بالنواهي.

فإذاً التأويل بالأمر والنهي يشمل شيئين:

- الأول: أن يمتثل الأمر ويجتنب النهي.

- والثاني: ما سيراه في الآخرة من جزاء الأمر، وما امتثله، ومجازاة العبد على انتهائه عن ما نهي عنه.

٣ - القسم الثالث التأويل بمعنىً حادث لم يأتِ في القرآن وفي السنة.

وهو أنْ يُصرَفْ دليل عن ظاهره لِحُجَّة.

وهو صحيح إذا كان بضابطه الذي ضبطه به أهل العلم.

ويُعَبِّرْ عنه الأصوليون بقولهم: صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة.

وهذا للأصوليين فيه تفصيلات حيث أنَّه ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

لكن هذا المعنى من التأويل صحيح، يعني أنَّ النصوص ربما صُرِفَ اللفظ إلى غيره، صُرِفَتْ دلالة الدليل إلى آخر لدليل آخر لقرينة.


(١) انظر تفسير الطبري (البقرة/٢٥)

<<  <   >  >>