للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

أنّ الموت متعلِّق - يعني إماتة الرب - عز وجل - - متعلقة بكل شيء، كما قال سبحانه {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] ، فكل شيء كُتب عليه الموت، فلا بد أن يموت، (كُلُّ شَيْءٍ) يعني مما حَلَّتْهُ الحياة بالروح فلا بد أن يفنى.

وهناك ما اسْتُثْنِيَ مما يموت وذلك في قوله - عز وجل - {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨] .

والاستثناء هنا في قوله {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} اختلف فيه أهل العلم على عدة أقوال ترجعون إليها في التفسير:

منها أن يكون المستثنى أرواح الشهداء؛ لأنَّ الشهداء أحياء بنص الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:١٦٩-١٧٠] الآيات في آل عمران.

وهذا هو أظهر الأقوال؛ أنَّ المُسْتَثْنَى أرواح الشهداء، فيكون عموم قوله - عز وجل - {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} على ظاهره في أنه سَيَهْلِكُ كل شيء إلا الرب - عز وجل -.

وهذا قد جاء في تفسير قوله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} إلى قوله {لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٤-١٦] ؛ لأنّ الرب - عز وجل - إذا أمات الملائكة المقربين نادى (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ؟ ثم أجاب نفسه العَلِيَّةْ بقوله جل جلاله (الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ، (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ، ثم قال {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧] .

وهذا يدلّ على أنَّ المخلوقات جميعاً ضعيفة محتاجة إلى ربها.

فكل من استحضر صفة الموت الذي سيحل به وسيحل أيضا بغيره من المخلوقات، فإنه يظهر له عِظَمْ الرب - عز وجل - الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وأنه سبحانه وتعالى هو المحيي المميت، وأنه هو - عز وجل - هو الواحد الأحد الغني الكامل في صفاته ونعوت جلاله وعظمته.

وأمّا قول الطحاوي (بَاعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ) فهذا فيه صفة البعث لله - عز وجل - وفي موضعه سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر مسائل البعث والنشور بتفصيلاتها.

<<  <   >  >>