للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال في الجملة بعدها (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)


هذا يَرُدُّ به على المجسمة والمعطلة جميعا.
(لا تَبلُغُه الأوْهَامُ) يعني أنّ تفكير المُفَكِّرْ ونظرَه بخياله لا يمكن أن يبلغ بخياله وفِكْرِهِ وصف الله - عز وجل - ولا كُنْهَ ذاته سبحانه وتعالى، فليست الأفهام مَوضُوعَةٌ لإدراكه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] سبحانه.
و (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ) يعني مهما فكَّر العبد فلن يبلغ كُنْهَ ذاته سبحانه ولا كُنْهَ اتصافه بصفاته - عز وجل -، ولا يمكن للأفهام مهما عَلَت أن تدرك ذلك.
ففيه رد على المجسمة الذين جعلوا الله - عز وجل - جسما كالأجسام.
وفيه رد على المعطلة الذين جعلوا الله - عز وجل - مُعُطَّلاً عمَّا وَصَف به نفسه، لأنه شبَّهُوا أولاً، ثُمَّ عطلوا ثانياً، فقام بقلوبهم في صفات الله أنها على صفة شيء معين، فمنعوا ذلك، فدخلوا بأوهامهم وأفهامهم في تحديد كُنْه الاتصاف بالصفة، ثم عطلوا ونفوا ثانياً.
وفيه رد على المتصوفة؛ غلاة المتصوفة أيضا، وهي الطائفة الثالثة الذين زعموا أنَّ العبد بالرياضة قد يبلغ إلى مرتبة يرى فيها الرب - عز وجل -، وأنه يمكن إذا فَنِيَ عن المحسوسات أن يدرك بوهمه غير المحسوسات - يعني الغيبيات -، وهذا هو الذي يسمونه الفناء بالدرجة العليا عندهم، وهو أنه يفنى عن المخلوق ويبقى في رؤية الخالق - عز وجل -.
إذا تبين ذلك، ففي قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ) مسائل:

<<  <   >  >>