للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

في قول المؤلف هنا في وصف الرب - عز وجل - (مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ) .

(مُحِيطٌ) هذا الوصف الإحاطة قد جاء وصف الله - عز وجل - به في القرآن في عدة آيات كما في قوله سبحانه في آخر سورة فُصِّلت {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت:٥٤] ، وكذلك في قوله {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء:١٢٦] ، وكذلك في قوله - عز وجل - {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:٢٠] ، ونحو ذلك.

والإحاطة في اللغة: هي الإتيان بالشيء من جميع جهاته.

يعني من جميع الجوانب يكون مُطَوَّقَاً كما في قوله تعالى {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:٢٩] ، يعني جاءهم من كل جهة.

وتفسير إحاطة الله - عز وجل - بكل شيء السلف والمفسرون منهم من يمضي -وهم الأكثر- عن الدخول في هذا الوصف؛ -وصف إحاطة الله - عز وجل - بكل شيء-، وكأنهم هربوا من أن يُظَنَّ أنَّ الإحاطة إحاطة ذات، كإحاطة الفَلَك بما فيه وإحاطة السموات بالأرض ونحو ذلك.

ولاشك أنَّ معنى إحاطة الذات ليس مُرَادَاً، فإنّ الله - عز وجل - فوق مخلوقاته والمخلوقات صغيرة بالنسبة لذات الله - عز وجل -.

ولهذا أعرضوا عن الخوض في تفسيرها.

وفَسَّرَهَا طائفة من العلماء تفسيراً يوافق ما قاله السلف وما يعتقده أئمة أهل السنة في ذلك بقولهم: إنَّ الإحاطة أنواع:

- إحاطة بمعنى أنها إحاطة عَظَمَة لله - عز وجل -.

- إحاطة بمعنى أنها إحاطة سعة، فالله سبحانه وَصَفَ كرسيه بأنّه وسع السموات والأرض ووصف نفسه - عز وجل - بأنه واسع سبحانه وتعالى الذي وسِع كل شيء.

- إحاطة بمعنى أنها إحاطة صفات: إحاطة علم، إحاطة قدرة، إحاطة قهر، إحاطة مُلْكْ إلى غير ذلك.

فهذه كلها من معاني إحاطة الرب - عز وجل - عباده، ولهذا أين المفر؟

فكل أحد يُفَرُّ منه إلى غيره؛ ولكن الله - عز وجل - ولإحاطته بخلقه وإحاطته بجميع ملكوته سبحانه وتعالى-إحاطة عظمة وسَعَةْ وقدرة وعلم إلى غير ذلك- فإنّه سبحانه إذا فررت منه فإنك لن تجد إلا أن تفر إليه سبحانه وتعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:٥٠] .

ويقول القائل يوم القيامة أين المفر؟

لا مفر من الله إلا إليه.

وهذا إذا نَظَرَ إليه العبد مع التَّفُكُّرْ وَجَدَ نفسه تتصاغر جداً أمام ربه - عز وجل -، فَيعْظُمُ الإيمان في قلبه، ويعْظُمُ اليقين، ويعْظُمُ توكله على الله، فيأنس بالله - عز وجل - وبما جاء من الله - عز وجل - حتى يصير راضياً بكل ما جاء من الله - عز وجل - ذالاً لربه سبحانه وتعالى.

وكلمة (شَيْءٍ) في قوله (بِكُلِّ شَيْءٍ) -ذكرنا لكم- أنها تُفَسَّر بأنَّ الشيء ما يصح أن يُعْلَمَ أو يؤول إلى أن يُعْلَمْ.

والله سبحانه وتعالى إحاطته بالأشياء منها -كما ذكرنا- إحاطة علم وإحاطة قدرة، فهو سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، قدير على كل شيء، فإذاً كلمة (كُلِّ شَيْءٍ) هنا لأجل ما جاء في الآيات {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} ونحو ذلك لأجل ما جاء في الدليل.

<<  <   >  >>