للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال هنا (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ، إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ)


(دَارِ السَّلَامِ) التي هي الجنة {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام:١٢٧] ؛ لأنَّ فيها السلامة بجميع أنواعها؛ السلامة في البدن والسلامة في القلب، والسلامة في الخواطر، حتى اللغو لا يسمعون وحتى كما قال {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية:١١] ، حتى ما يُؤذي السمع فلا يُسْمَعْ، وخرير الأشجار وحركة الأوراق ألحان في الجنة، فكل ما فيها سلام، وتحية أهلها السلام.

قال (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ)
يعني أنَّ الإيمان بالرؤية فرض؛ لأنَّ الله - عز وجل - ذكرها في كتابه وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فهي عقيدة الإيمان بها فرض، فمن تأول الرؤية فلا يصح إيمانه.
وهذا ليس للرؤية فحسب، بل كل من تأَوَّلَ شيئاً من الغيبيات فلا يصح إيمانه به، لأنَّ الإيمان بالأمور الغيبية إيمانٌ بما دلَّ عليه ظاهر اللفظ، إيمانٌ بما دلَّ عليه ظاهر الصفة، إذ كانت قاعدة السلف أمِرُّوهَا كما جاءت لا يُتجاوز القرآن والحديث.

قال (لِمَنِ اعْتَبَرَهَا بِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ) .
(اعْتَبَرَهَا بِوَهْمٍ) من تخيَّل شيئاً ما.
(أَوْ تَأَوَّلَهَا) يعني سلَّط على نصوص الرؤية التأويل.

قال في التعليل (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ) .
يعني أنَّ تأويل الرؤيا وتأويل الصفات الحق هو ترك التأويل وهذا يأتي بيانه في المسائل.
فتأويل الصفات هو ما تؤول إليها حقائقها، والعقل والقلب لا يدرك الغيبيات، فلذلك عدم إدراكه للغيبيات يدلُّ على أنها على ظاهرها.
فقوله هنا (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ) إلى آخره علَّلَهُ بقوله (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ) يعني إلى الرب - عز وجل - من الصفات جميعاً تأويلُ ذلك الحق هو (تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ) .
وهذه الجملة من كلامه واضحة المعنى فيما ذكرت لك لكن ينبني عليها لفهم مراده مسائل:

<<  <   >  >>