للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ


تكلمنا على الجمل الأولى وهي قوله (وإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى) صلى الله عليه وسلم.
ووقفنا عند قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ) وهذه الجملة فيها تقرير أنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم به خُتمت النبوة، (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ) يعني الذي خَتَمَهُمْ فصار خاتِما لهم، ليس بعده أحد.
وهذا مُجْمَعٌ عليه بين طوائف هذه الأمة جميعاً حتى الطوائف الخارجة أو الفرق الخارجة عن الثنتين والسبعين فرقة كالجهمية والرافضة وأشباه هؤلاء من المتقدمين فإنهم مقرون بأن بَعثة محمد صلى الله عليه وسلم بها خُتمت النبوة وأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فهذا إجماع، وقد ادَّعَتْ طوائف خلاف هذا؛ ادَّعت طوائف من المعاصرين كالقاديانية وأشباههم خلاف هذا.
وبعض المتقدمين أشار إلى أنَّ النبوة قد لا تُختم وهذا سيأتي له البحث إن شاء الله فيما نعرض من مسائل، ولكن لا يُنْسَبُ إلى طائفة عامة، ولكن قد يكون نُسِبَ إلى بعض الأشخاص أو بعض الأفراد المنتسبين إلى الفلسفة أو الغلو أو أشباه ذلك.

فقول المؤلف رحمه الله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)
يعني النبي صلى الله عليه وسلم هذا كما قلنا مجمع عليه لدلالة القرآن والسنة على ذلك ولإجماع أهل السنة عليه، قال ربنا - عز وجل - {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] ، قرأ قوله {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} عاصم وحده من بين القرّاء بفتح التاء؛ (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، وقرأ الباقون من السبعة (وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ) وبأحد القراءات كان يقرأ الطحاوي ولذلك اخترنا الكسر على الفتح لاتباع الآي قراءة الآية على ما يقرأ به المصنف رحمه الله.
* وهذا موضوع يحتاج من طلاب العلم إلى التنبه إليه وإلى التنبيه عليه، وهو أنَّ كثيرين إذا نشروا كتباً أو حققوا رسائل ضبطوا الآيات بما يقرأ به المحقق أو يقرأ به الباحث.
وهذا غلط؛ لأنَّ حق المؤلف أن تُورِدَ الآية بحسب قراءته، فإذا عُرِفَتْ قراءته التي كان يقرأ بها، فإنه تُورَدُ الآية على نحو ما كان يقرأ، فإن كان يقرأ بحفص فتُثبت على حفص، وإن كان يقرأ بأبي عمر أُثْبِتَتْ كذلك، وإن كان يقرأ على قراءة نافع فتثبت كذالك، وهكذا.
فينبغي التنبه في ذلك؛ لأنَّ بعض العلماء يُورِدُ آية ويذكر وجه الاستدلال، وقد لا يذكره فيقع إشكال في أنَّ وجه الاستدلال أو أنَّ الدليل لا يطابق القضية التي تُبْحَثْ، وذلك من جهة أنَّ الناظر أو المحقق أو الناشر أورَدَ الآية على نحو ما يقرأ هو، ولذلك يقع في إشكال.
وهذه بالمناسبة قضية كبيرة فالذين نشروا كتباً متنوعة أو ينشرون ينبغي لهم العناية بهذا الأمر.
وأعظم منها إذا نشروا تفسيرا للقرآن فإنهم قد يجعلون التفسير بقراءة ليست هي قراءة المؤلف، كما في عامَّةِ طبعات ابن كثير، فإن ابن كثير الحافظ المفسر لم يكن يقرأ بقراءة حفص عن عاصم، وكما في غير ذلك.
وكذلك في كتب السنة، كتب الحديث، معلوم أنها روايات، والروايات مختلفة لكتب الحديث، فالبخاري له روايات متعددة، وأبو داوود له روايات قد تكون عن أبي داوود نفسه وقد تكون عن من تلقى عنه باختلاف، فيأتي الناشر ويثبت نصاً للكتاب يخالف النص الذي شرح عليه الشارح، ولهذا كل النشرات أو الطبعات لكتاب فتح الباري ليست موافقة لرواية صحيح البخاري المثبت معها، فإنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله لم يشرح البخاري على واحدة من الروايات المثبتة طبعاً مع نسخ فتح الباري وهذه المسألة ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا عليها. وخُذْ ما جَرَّهُ الأمر في صحيح مسلم حيث أدخل بعض الناشرين التبويب في داخل صحيح مسلم، وكأَنَّ مسلماً رحمه الله هو الذي بَوَّبَ صحيحه، ومعلوم أنَّ مسلما رحمه الله لم يبوّب كتابه وإنما جعله كتبا، وأما التبويب الداخلي فإنه من صنع الشراح فلا ينبغي لطالب العلم أن يقول رواه مسلم في كتاب صفة القيامة باب كذا، أو في كتاب الصلاة باب كذا، لأنَّ التبويب ليس من صنعه والكتب (١) .

: [[الشريط السابع]] :

ينبغي أن تُرَاعَى أيضا هل ذَكَرَهَا في أولها أو لم يذكرها.
المقصود من هذا أنَّ الله - عز وجل - قال {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] ، وفي القراءة الأخرى التي قرأ بها ستة من السبعة القراء {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ} ، وفي هذه الآية دِلالة على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خُتٍمَتْ به النبوة.

وخَتمُ النبوة يدل على خَتم الرسالة من باب أولى عند من يقول إنَّ الرسول أرفع رتبة من النبي وأنَّ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.

وهو من قبيل دِلَالَة المساواة عند من يقول إنَّ الرسول والنبي بمعنى واحد.

والآية تدل على التفريق؛ لأنه قال {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ} .
وفي السنة دلَّت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ بعثته بها خُتِمتْ الرسالات والنبوات، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال من حديث ثوبان (إِنّهُ سَيَكُونُ كَذّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلّهُمْ يدّعي أَنّهُ نَبِيّ -أو كُلّهُمْ يَزْعَمُ أَنّهُ نَبِيّ-، ولا نَبِيّ بَعْدِي) (٢) ، وأيضا دل قوله صلى الله عليه وسلم في ما في الصحيح (إنّه لاَ نَبِيّ بَعْدِي) (٣) على ذلك، ودل أيضا قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه بعض أصحاب الصحيح وبعض أصحاب السنن؛ بل هو في مسألة ستأتي ليس فيها لفظ الختم.
المقصود أنَّ الأدلة من السنة التي فيها ذِكر ختم النبوة كثيرة متنوعة دالة على ما دلت عليه الآية من أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم به خُتِمَتْ النبوة وكما ذكرنا لكم أنَّ هذا إجماع.
إذا تبين ذلك ففي هذا البحث مسائل:

<<  <   >  >>