وهي في الدليل الفطري، والدليل الفطري لعلو الله - عز وجل - هو أنّه كل أحد يحس من فطرته سواء عَلِمَ الدين أو لم يعلم الدين، عُلِّمْ أو لم يُعلَّم أنَّ قلبه عند الحاجة وعند الرّغَبْ إلى لله - عز وجل - وعند اقتطاع الأسباب وبقاء لطف الله - عز وجل - أنه يتجه القلب إلى العلو، وهذا شيء فطري مغروس في الإنسان.
ولهذا ذَكَرَ شارح الطحاوية وقد نقله أيضاً غيره قصة الزاهد الأثري الهمذاني مع أبي المعالي الجويني الذي يُلَقَّبْ بإمام الحرمين، حيث ذكر إمام الحرمين في درسه نَفْيَ علو الله - عز وجل - على خلقه -علو الذات-؛ وأنَّ المراد بذلك علو القهر وعلو القدر.
فقال له الشيخ الهمذاني: يا أستاذ -وكلمة أستاذ في الزمن الأول تطلق على من أجاد فناً من الفنون، وأما كلمة الشيخ فتطلق على من له مكانة وديانة وورع وخوف من الله - عز وجل --، فقال له: يا أستاذ -لإجادته فن الكلام- أخبرني عن هذه الضرورة التي أجدها في نفسي وهي أني أطلب العلو إذا احتجت إلى الله - عز وجل -.
فقال أبو المعالي: حيرني الهمذاني، حَيَّرَنِي الهمذاني.
لأنَّ قوله بنفي العلو لله - عز وجل - هذا منافٍ للفطرة، فلما استدل عليه بالفطرة قال حيرني الهمذاني.
وقد ذكر بعض من صَنَّفَ في الرحلات كما ذكرته لكم في هذه الدروس، ذكَرُوا أنَّ وَفْداً من الخليفة العباسي ذَهَبَ إلى روسيا يعني إلى بلاد الترك التي هي روسيا الآن، وقالوا: وجدنا أناساً لا يعبدون الله - عز وجل - وليس عندهم رسالة يريدون أن يشرحوا لهم الإسلام، قالوا: ولكنا وجدناهم أنهم إذا أصابتهم شدة وعواتي إما من المطر ونحوه ومن قحط ونحو ذلك خرجوا إلى الفلاة ورفعوا أيديهم إلى السماء ونظروا إلى السماء يهمهمون، كأنهم يطلبون الفرج مِمَنْ هو في السماء، وهذا أمر مركوز في الفطرة كما ذكرنا لك.
إذاً دليل علو الله - عز وجل - وفوقية الرب سبحانه وتعالى دليل من القرآن والسنة ومن العقل ومن الفطرة.
نكتفي بهذا القدر، ونكمل إن شاء الله تعالى ما يتصل بهذا البحث في الأسبوع القادم بإذنه تعالى.