للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الأولى] :

أنه أراد بقوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) أراد بالإرادة هنا المشيئة.

والإرادة؛ إرادة الله - عز وجل - منقسمة إلى:

- إرادة كونية - يعني فيما يحصل في كون الله - عز وجل -.

- وإرادة شرعية.

فأما الإرادة الكونية فكثيرة في النصوص وهي مرادفة للمشيئة، فمشيئة الله هي الإرادة الكونية، فإذا قلنا شاء الله كذا؛ يعني أراده كونا.

أما المشيئة فلا تنقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية؛ بل هي نوع واحد، هو مشيئة في كونه، أما الشرع فإنما يوصف بإرادة شرعية.

وهذا يعني أنّ الإرادة الكونية التي هي المشيئة هي التي لا يخرج أحد عنها.

فقد يقع الشيء مأذونا من الله - عز وجل -؛ شاءه الله سبحانه وتعالى كوناً وقَدَرَاً، ولكنه لم يُرده شرعاً ولم يُرده ديناً.

فتختلف الإرادتان إذا تعلقت بمعصية العاصي وكفر الكافر.

فمِن جهة معصية العاصي وقعت بإرادة الله الكونية لكنها لم تقع بإرادة الله الشرعية، والله سبحانه قال {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:٣١] وقال سبحانه {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] وفي المشيئة قال - عز وجل - {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٩] وهذا راجع إلى عِلم الله - عز وجل - فيهم بأنه سبحانه ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن سبحانه وتعالى.

{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} يعني في عِلم الله - عز وجل - فيما لم يقع، ولن يقع، لو وقع، ولو شاءه كيف يكون.

فإذاً صارت مشيئة الله - عز وجل - هي الإرادة، والإرادة مرتبطة بالعلم وبالحكمة.

وهذا خلاف الإرادة الشرعية فإنَّ الإرادة الشرعية مطلوبة من العبد؛ أَمْرْ.

أَمَرَ بكذا، وَنَهَى عن كذا، فصار المأمور به والمنهي عنه مراداً له شرعا.

إذا تبين هذا فإذن قولنا (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) هذا راجع إلى الإرادة الكونية فقط.

والذين لم يفرقوا ما بين الإرادتين وقع منهم الغلط في معصية العاصي وضلال الكافر فيما سيأتي بيانه إن شاء الله في موضعه من مباحث القدر.

<<  <   >  >>