للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الرابعة] :

دخول أَهْلُ الكَبَائِرِ في النَّارِ، هذا وعيد، وهذا الوعيد يجوز إخلافُهُ من الرب - جل جلاله -؛ وذلك أنَّ مرتكب الكبيرة إذا تابَ في الدنيا تابَ الله عليه، وإذا طُهِّرَ بِحَدٍ أو نحوه كتعزير فإنه تكون كَفَّارَةْ له.

فإذاً يكون مرتكب الكبيرة من أهل الوعيد إلا في حالات:

الحال الأولى:

أن يكون تائباً كما ذكرنا لك؛ لأنَّ التوبة تَجُبُّ ما قبلها، قال الله - عز وجل - في آخر سورة الزمر {قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣] أجمَعَ أهل التأويل والتفسير-: أنها نزلت في التّائبين، فمن تَابْ تابَ الله - عز وجل - عليه، فلا يلحق التائب وعيد لأنه قد مُحِيَتْ عنه زلته وخطيئته بالتّوبة.

٢- الحال الثانية:

أن يُطَهَّرَ من تلك الكبيرة إما بِحَدْ كمن شرب الخمر مثلاً فأُقيمَ عليه الحد فهو طهَّارَةْ وكفَّارة له، وكذلك من قَتَلَ مسلماً فقُتِلَ، أو من قَتَلَ مسلماً خطأً فَدَفَعَ الدّية، فإنَّ هذا كفارةٌ له، أو سرق فقُطِعَتْ يده فهو كفارة له، أو قَذَفْ فأقيم عليه حد القذف (١) فهو كفارة له، أو زنى إلى أخره، أو كان تعزيراً أيضاً فإنه طهارة.

يعني أنَّ ما يُقَامُ على المسلم من حد أو تعزير من عقوبة في الدنيا فإنها من جنس العقوبة في الآخرة تُطَهِّرُهُ من هذا الذنب.

٣- الحال الثالثة:

بعض الذنوب الكبائر تكون لها حسنات ماحية، مثلاً الصدقة في حق القاتل قال - عز وجل - {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة:٤٥] ، ومثل الجهاد العظيم فإنه يُنْجِي من العذاب الأليم، قال سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف:١٠-١١] ، والعذاب الأليم هو لمن فعل الكبيرة؛ لأنه وعيد شديد.

٤- الحال الرابعة:

أن يكون الله - عز وجل - يغفر له ذلك لأسباب متعددة، ذكرنا لكم شيئا منها فيما مضى في العشرة أسباب المشهورة (٢) وقد يدخُلُ بعضها فيما ذكرنا لكم آنفا.

٥- الحال الخامسة:

أن يغفر الله - عز وجل - له بعد أن صار تحت المشيئة.

يعني يوم القيامة، لا يكون عنده حسنات، ولا يكون أتى بشيء؛ ولكن يغفر له الله - عز وجل - مِنَّةً منه وتَكَرُّماً.

وهؤلاء هم الذين يقال عنهم تحت المشيئة؛ يعني إذا لم يتوبوا ولم يُقَم عليهم الحد أو طُهِّرُوا ولم يأتوا بشيءٍ من أسباب تكفير الذنب، فإنهم تحت المشيئة إن شاء الله - عز وجل - غفر لهم وإن شاء عذّبهم في النار ثم يخرجون لا يخلدون.

وهنا شَرَطَ المؤلف -شرط الطحاوي- رحمه الله لهؤلاء الذين لا يَخلُدون في النار إذا دخلوها -يعني لمن لم يغفر الله - عز وجل - له؛ بل شاء أن يعذبه- شَرَطَ له شرطين نذكرهما في المسألة الخامسة.


(١) انتهى الوجه الأول من الشريط الثاني والثلاثين.
(٢) انظر (٣٧٢)

<<  <   >  >>