للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال (ولم يَخْف عَليهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم. وَعَلِمَ ما هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَهُم

وأَمَرَهُم بِطَاعَتِهِ، ونَهَاهُم عَنْ مَعْصِيتِه)


(لم يَخْف عَليهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم) هذا عام يعني من الطاعات ومن المعاصي، من الخير ومن الشر، مما سيعملون، ومما لم يعملوه لو عملوه كيف يكون، فإنه سبحانه وتعالى يعلم أحوال الخلق على وجه التفصيل، فيما سيعملون وفيما لم يعملوه، ومثاله قول الله - عز وجل - {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) [فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:٨٠-٨١] .
إذاً فالله سبحانه وتعالى تَعَلق علمه بكل شيء.
قال (لم يَخْف عَليهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم. وَعَلِمَ ما هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَهُم) لم؟
لأنه سبحانه بكل شيء عليم، كما قال - عز وجل - {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقوله (كُلِّ شَيْءٍ) هذا عموم لا يخرج منه شيء، والأشياء كما فسّرناها لكم قبل ذلك جمع شيء، والشيء ما يصح أن يعلم أو يؤول إلى العلم.
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعني بكل ما يصح أن يُعْلَمْ أو ما يؤول إلى أن يُعْلَمْ (١)

: [[الشريط الخامس]] :

هو بكل شيء عليم سبحانه وتعالى، لهذا قال علماؤنا، عِلْمُ الله - عز وجل - متعلق بكل شيء:
عَلِمَ ما سيكون
عَلِمَ ما لا يكون.
عَلِمَ ما قَدَّرَ ألا يكون، لو حصل كيف يكون.
فهذه الثلاث فيها مخالفة للقدرية والمعتزلة في مذاهبهم.
عَلِمَ ما سيكون وما لم يكن، يعني والذي لا يكون أيضاً عَلِمَهُ - عز وجل -، لأنه اختار أن يكون الأمر على نحو كذا، وهو عَلِمَ ما سيكون والذي لا يكون أيضاً عَلِمَهُ - عز وجل -، وعَلِمَ ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما قال - عز وجل - {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣] .

قال رحمه الله بعد ذلك (وأَمَرَهُم بِطَاعَتِهِ، ونَهَاهُم عَنْ مَعْصِيتِه)
هذا تعليق للأشياء بالأمور الشرعية.
يعني أنَّ الخَلْقَ والعِلْمْ والتقدير السابق وضَرْبْ الآجال هذا نافذ فيهم، ومع ذلك أَمَرَهُمْ سبحانه بطاعته ونهاهم عن معصيته - عز وجل -.
وهذا الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية أراد منه مخالفة المعتزلة في أَنَّ الأمر بالطاعات والنهي عن المعاصي أنه جاء عقلياً وليس شرعياً، ولكن الحق أنَّهُ إنما جاء في الشرع لا في العقل.
لبسط هذه المسائل تفصيل يأتينا إن شاء الله في موضعه.
هذه كلها الذي قدمناه من أول العقيدة إلى الآن وإلى قوله (وإنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى) هذه كلها مقدمات ما دخلنا في تفصيل الكلام على معتقد أهل السنة والجماعة في مواضعه.
لذلك أنا أرجئ الكلام على تفصيلات القَدَرْ ومسائله في موضعه حتى يكون لك في مكانه مجتمعاً غير ما ذكرناه في هذا الموضع.

<<  <   >  >>