ثَمَّ كلمة عند المتكلمين وطائفة من نُفَاة العلو وهي أنهم يقولون: إنَّ السّماء قبلة الدعاء.
إذا قال لهم قائل: فطرة الإنسان أنَّهُ إذا أراد أن يدعو اتَّجَهَ إلى السماء. قالوا: هذا لأنَّ السماء قبلة الدعاء.
وهذه الكلمة ربما ردَّدَها بعض المنتسبين إلى السنة قالوا: إنَّ السماء قبلة الدعاء.
وهذا باطل، الكلمة هذه باطلة، فالسماء ليست قبلة الدعاء، فأعظم الدعاء الصلاة، والصلاة سُمِّيَتْ صلاةً لما فيها من دعاء العبادة ودعاء المسألة، ومع ذلك جُعِلَت قبلة الصلاة إلى بيت الله - عز وجل - الحرام، فقبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، وهي قبلة الميّت التي يُوَجَّهُ إليها عند احتضاره ويُوَجَّهُ إليها عند دفنه، وهي مكة أو الكعبة التي شرّفها الله - عز وجل -.
فإذاً لا يصح قول من يقول: إنَّ السماء قبلة الدعاء، بل المشروع للدَّاعِي أنَّهُ إذا أراد أن يدعو أن يتوجه إلى القبلة، هذا أكمل حالات الدعاء، إذا دعا يتوجه إلى القبلة، ثُمَّ إذا رفع يديه فإنه يرفعها ويتجه ببصره وقلبه إلى القبلة، يتجه بوجهه وببصره إلى القبلة، قد يرفع وجهه إلى السماء، مثل ما حصل فالنّبي صلى الله عليه وسلم في بدر رفع يديه شديداً حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فقال له أبو بكر (يا رسول الله مهلاً بعض مناشدتك ربك فإنه منجزٌ لك ما وعدك)(١) .
ورَفْعُ وَجْهِهِ هذا لأجل الإلحاح في طلب الفرج من الله - عز وجل -، وليس لأجل أنَّ السّماء قبلة لأنَّ أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع فيه وجهه إلى السماء؛ بل في الصلاة وهي دعاء نهى فيها نبينا صلى الله عليه وسلم عن رفع البصر إلى السماء.