[المسألة الثامنة] :
عرَّف الإيمان بقوله إقْرارٌ باللِّسانِ، وتصديقٌ بالجَنَانِ، وقلنا في التعريف اعتقاد بالجنان.
والفرق ما بين التصديق والاعتقاد:
أنَّ التصديق شيء واحد؛ بمعنى أنَّهُ أمْرٌ واحد، عِبَادَةٌ واحدة.
وأما الاعتقاد فإنه يشمل أشياء كثيرة من أعمال القلوب.
لهذا قالت طائفة من السّلف في تعريف الإيمان (الإيمان قول وعمل) وهذا دقيق لأنه يشمل قول القلب وقول اللّسان.
(قول القلب) هو تصديقه وإخلاصه في الله - عز وجل -.
(وقول اللّسان) هو إعلانه الشّهادة.
وعَمَلْ: يشمل عمل القلب وعمل الجوارح.
(وعَمَلُ القلب) من محبة الله - عز وجل - والتوكل عليه والخوف منه - جل جلاله - ورجاؤه والإنابة إليه وخشية الرّب - جل جلاله - ونحو ذلك من أعمال القلوب.
فإذاً ما يتّصِلُ بالقلب من أمور الإيمان ليست شيئاً واحداً، ليس هو التصديق فقط، بل ثَمَّ أشياء كثيرة في القلب، والتصديق هو أحدها.
ولهذا فإنَّ التفاضل -الزيادة والنقصان- زيادةٌ ونقصان باعتبار العمل الظاهر، وزيادةٌ ونقصان باعتبار عمل القلب الباطن.
فالناس يتفاوتون في الإيمان من جهة:
١ - زيادته ونقصانه في أعمالهم الظاهرة وهي أمور الإسلام: من الصلاة والزكاة والصيام والحج والاستسلام لله - عز وجل - في الأوامر والانقياد ونحو ذلك والانتهاء من المحرمات.
٢ - وكذلك أعمال القلوب.
وأعمال القلوب نوعان:
- أعمالٌ واجِبَةُ الفعل.
- وأعمالٌ مُحَرَّمَةُ العمل أو واجبة الترك.
@ أما واجبة الفعل مثل: محبة الله - عز وجل -، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وخشيته، والخوف منه، والطمأنينة له، ونحو ذلك من أعمال القلوب.
@ وما يجب تركه من أعمال القلوب المحرمات، محرمات أعمال القلوب التي هي الكِبْرْ والبَطَر وتزكية النفس وسوء الظن بالله - عز وجل - ونحو ذلك، هذه كلها يجب تركها.
فإذاً أعمال القلوب مشتملة على:
١ - تصديق.
٢ - ومشتملة على أمور واجبٌ أن يعملها القلب، وأمور واجب أن ينتهي عنها القلب.
* وهذه كلها في الحقيقة متصلة؛ فالتصديق مُتَأَثِرٌ زيادَةً ونُقْصَانَاً بأعمال القلوب.
فأعمال القلوب تؤثر على تصديقه، فأعمال القلوب الواجبة إذا زادت محبته لله - عز وجل - زاد تصديقه، إذا زادت إنابته إلى الله وزاد خشوعه وخضوعه بين يدي الله وزاد توكله على الله سبحانه وتعالى زاد تصديقه وزاد يقينه.
وكذلك إذا انتهى عن المحرمات، خضع لله - عز وجل -، لم يكن مُتَكبرا، ذليلاً لله - عز وجل -، غير مترفع على الخلق، مُحِبَاً لسلامته -سلامة قلبه-، مُبْتَعِداً عما يفسد القلب، هذه كلها مؤثرة في تصديقه.
فإذاً رجع الأمر في زيادة الإيمان وفي نقصانه إلى زيادة الإيمان في أركانه الثلاثة ونقصان الإيمان في أركانه الثلاثة.
فإذاً زيادة الإيمان (يزيد بطاعة الرحمن) يعني:
- يزيد التصديق أو الاعتقاد بطاعة الرحمن.
- يزيد الإقرار باللسان بطاعة الرحمن.
- يزيد العمل بالأركان أيضا بطاعة الرحمن.
فزيادة الإيمان راجِعَةٌ للثلاثة جميعاً.
لأنَّ الزيادة: تارةً تكون بالعمل الظاهرمثل زيادة صلاة، زيادة صدقة، زيادة بر، زيادة جهاد في سبيل الله، طلب علم ونحو ذلك، فيَرْجِعُ هذا إلى التصدِيقِ وإلى الإقرار بزيادة.
فيكون تصديقه واعتقاده أكثر وأعظم وأمتن وأثبت وكذلك إقراره.
وهذا يُحِسُّهُ الإنسان من نفسه فإنه إذا زاد إيمانه زاد لَهَجُهُ بذكر به - عز وجل - تهليلاً وتسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتمجيداً.
المسائل كثيرة نرجئ البقية إلى موضعٍ آتٍ إن شاء الله.